علم «القاعدة» بين علماء الأزهر وعلماء جامعة القاهرة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علم «القاعدة» بين علماء الأزهر وعلماء جامعة القاهرة

نشر فى : السبت 29 مارس 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : السبت 29 مارس 2014 - 8:45 ص

لقد كانت ثورتا 25 يناير و30 يونيو ثورتين كاشفتين وليستا منشئتين بمعنى أنهما لم تنشئا نظاما جديدا قويا بعد يحقق الشعارات التى رفعت ( عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية) لكنهما كشفتا عن واقع كارثى للمجتمع المصرى لم يكن واضحا ومعروفا لدى جموع الشعب وهو أن هناك حركة سلفية قوية نمت تحت الأرض برعاية الدولة ونظامها الأمنى لتقف فى وجه الإخوان، وقد ظهرت بقوة بمجرد اندلاع الثورة وتدخلت قياداتها لحل عدة مشكلات تعلقت بحرق كنائس واحتلالها من شبابهم وكذلك دورهم الواضح فى دستور 2012.. إلخ.

وكذلك لم تكن جموع الشعب المصرى تعلم أن هناك اختراقا لتنظيم القاعدة لشباب مصر ورأينا علم القاعدة الأسود يرفع فى أكثر من مظاهرة، ورأينا شابا ملتحيا بملابسه الداخلية يرفع علم القاعدة يلقى صبيا من على سطح إحدى العمارات بالإسكندرية، ورأيناه يرفرف فى قلب جامعة الأزهر وأخيرا فى قلب جامعة القاهرة.

•••

ولم تكن هذه الموجة من الإرهاب والتطرف والأصولية تكشف عن وجهها إلا بسبب أن هناك اختراقا وقع فى معقل الوسطية الدينية (الأزهر الشريف) ومعقل العلم (جامعة القاهرة)، إن الأزمة الأخيرة والمعروفة بعرض فيلم «نوح» وتصدى بعض من هيئة علماء الأذهر لها يوضح أن هؤلاء العلماء تربوا على الأصولية بمعنى التكرار وليس بمعنى الإعادة وهذا التعبير استخدمه الفيلسوف كارل بوبر فالإعادة هى إعادة الشىء القديم كما هو دون أى اجتهاد معاصر. أما التكرار فهو لا يرفض الأصولية لكن يكررها مع تفسير يناسب العصر وهذا المبدأ سمعت معظم علماء الأزهر يرددونه فى البرامج التليفزيونية إذ يقولون لابد من التمسك بالأصول لكن يجب تقديمها فى شكل معاصر، لكن ما يحدث هو عكس ذلك إذ بمجرد أن تبدو فى الأفق أزمة مثل عرض فيلم نوح إذ بالعلماء يتشددون رافضين. إن ما حدث مع يوسف شاهين وفيلم «يوسف الصديق» منذ أكثر من عشر سنوات يتكرر الآن لقد نصح أحد علماء الأزهر المستنيرين القلائل يوسف شاهين أن يغير اسم الفيلم إلى «المهاجر» واسم يوسف إلى «رام» وهكذا عرض الفيلم!!

•••

إن الإسلوب الذى يفكر به بعض هيئة علماء الأزهر هو السبب المباشر فى انضمام شباب وشابات جامعة الأزهر إلى تنظيم الإخوان، ذلك لأن الأزهر لم يحسم أمره بعد كوسطية دينية، أما الإخوان فلهم هوية واضحة، حتى لو لم نرها صالحة للعصر أو للمستقبل، إن شباب مصر اليوم مع اكتساح الإعلام العالمى والتحديث والإلحاد يريد أن ينتمى إلى وسطية دينية واضحة المعالم محددة الهوية، لكنه يراها تساوم وتتردد، وحيث إنه لم يتربى على التفكير النقدى أنتمى إلى الهوية الخاطئة لكنها على أقل تقدير ــ بالنسبة لهم ــ واضحة المعالم محددة وهكذا رأينا علم القاعدة يرفع فى قلب جامعة الأزهر، والعنف يحطم منشآتها.

أما جامعة القاهرة التى تبرعت بأرضها أميرة من العصر الملكى تدعى فاطمة وقد قامت ببيع حليها الذهبية لتشترى أرض للجامعة، فهى الجامعة التى تخرج فيها قادة العمل الاجتماعى والسياسى والثقافى بمصر. وهى الجامعة التى قادها رجال التنوير المصريين، إلا أننا نفاجأ برئيس الجامعة الحالى د. جابر نصار معلقا على حادثة التحرش التى وقعت لفتاة فى كلية الحقوق قائلا «إن ملابس الفتاة غير اللائقة هى السبب فى تحرش الشباب بها» ولقد تعجبت كثيرا بل وصدمت من هذا المنطق لأنه لا يتفق إطلاقا لا مع التفكير العلمى أو الدينى بأى حال، فمن مبادئ التفكير العلمى إعادة الظاهرة إلى أسبابها الحقيقية وليست الوهمية أو الخرافية، وظاهرة التحرش فى مصر وبحسب الإحصاءات وصلت إلى 98% من النساء. وهكذا ثبت أن التحرش طال المنتقبات والمحجبات وبالتالى لابد أن يبحث صاحب التفكير العلمى عن الأسباب الحقيقية للظاهرة هل هى الفقر أم تأخر سن الزواج أو الفوضى الضاربة فى البلد وغياب القانون والعدالة.. إلخ، أما الأديان فلم تكن ثياب النساء هاجسها الأعظم بل معظم الأديان مجدت المرأة، أما خرافة أن الشيطان امرأة وأنها مصدر الغواية فهذه الأفكار لا تنتشر إلا فى البلاد المتخلفة ثقافيا ودينيا.

•••

ثم إن ظاهرة التحرش لم تكن تحدث فى مصر إلا على استحياء فى الثلاثينيات والأربعينيات وحتى الستينيات وكانت المرأة المصرية نموذجا للعلم والحرية والعطاء للمجتمع. ولقد كان ذلك قبل أن تقع مصر فى فخ الكبت الدينى والجنسى عند الرجل والمرأة معا نتيجة لظاهرة التشدد الدينى التى اجتاحت المنطقة، إذن هى ظاهرة دينية اجتماعية بإمتياز، وبالعودة للكتب المقدسة نجد أن الأمر بالاحتشام للمرأة كان دائما يأتى بعد أن يأمر المجتمع بأن ينظر إلى المرأة باحترام شديد، فهى أم الأنبياء وزوجاتهم وبناتهم والمحاربة فى صفوفهم. ولا توجد أى تفاصيل عن شكل ملابس المرأة لأن الفيصل هنا هو كيف ينظر المجتمع إلى المرأة، فإذا كان مجتمعا متحضرا تكون نظرته مختلفة تماما عن نظرة المجتمعات المتخلفة التى تنظر للمرأة على أنها فريسة يجب افتراسها، وأنها تشتهى للاستهلاك ليس إلا، أى ينظر إليها كشىء لاستمتاع الرجل واستهلاكه ولم يكن هذا فى يوم من الأيام رأى الدين، أما أن يخرج علينا رئيس الجامعة ويعلن بمنتهى الثقة أن المشكلة والحل فى ثياب المرأة، فهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع علم القاعدة فى قلب جامعة القاهرة، ولله الأمر من قبل ومن بعد فى مصرنا الحبيبة التى كانت متحضرة راقية متدينة بلا تناقضات ولكنها لم تعد كذلك مع الأسف.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات