التعليم عن بعد.. موضوع للنقاش - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعليم عن بعد.. موضوع للنقاش

نشر فى : الأربعاء 3 فبراير 2021 - 7:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 فبراير 2021 - 7:25 م

نقلت جائحة الكورونا موضوع التعليم عن بعد المدرسى إلى الواجهة: نقاشا عبر التواصل الاجتماعى والمنتديات التربوية، خوفا وقلقا من قبل أولياء الأمور، تهجما ونقدا لاذعا من قبل بعض الإعلاميين، وترحيبا غير متمعن ومتوازن من قبل مشجعى الموضات والصراعات باسم الحداثة والعصرنة.
ولأن هذا الموضوع سيبقى الشغل الشاغل حتى بعد انقشاع الجائحة، ولشدة الخلافات من حوله، أصبح ضروريا مواجهته بموضوعية وهدوء وعلمية، ودون ارتكاب أخطاء فى التطبيق قد تؤدى إلى الإضرار بعملية التعليم والتعلم وبمستقبل الجيل القادم.
ونحن هنا نشير إلى التعليم عن بعد المدرسى، وليس الجامعى، إذ إن الأخير يختلف فى الكثير من التفاصيل عن الأول ويحتاج إلى معالجة مستقلة.
دعنا نؤكد أن التعليم المدرسى الصفى القديم الذى يراد تغييره وزحزحته من خلال التطبيقات التكنولوجية الحديثة لم يكن مثاليا. وقد تعرض عبر القرون إلى انتقادات شديدة لكل جوانبه النظرية والتطبيقية، وإلى عدم الرضى بنتائجه الثقافية والقيمية والعلمية وبنوعية خريجيه. ولذلك فهو بحاجة إلى إصلاحات جذرية كبرى فى مناهجه وطرق تعليمه ونوعية معلميه وأساليب تقييمه للطلبة.
ولأن الحكومات والمجتمعات ارتكبت الحماقات بالنسبة لسيرورة وجودة التعليم عن قرب المدرسى الكلاسيكى فإن لديها القابلية أن ترتكب الحماقات بالنسبة للتعليم عن بعد أيضا.
دعنا نؤكد أيضا أن العالم متوجه فى المستقبل نحو العمل عن بعد فى كثير من المجالات، ونحو ترسيخ وتجذير التواصل الاجتماعى عن بعد، ونحو استعمالات مكثفة للإنسان الآلى وللذكاء الاصطناعى. وبالتالى فإن المدرسة لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن تلك الثورة الهائلة التى ستكون لها تأثيراتها البالغة على نوع الأبنية المدرسية، وعلى المناهج، وعلى أساليب التعليم، وعلى عملية التقييم، وعلى التعامل مع مصادر المعلومات، وعلى نوع المعلمين المطلوبين، وعلى الأدوار التى ستلعبها العائلة.. إلخ.
لكن ذلك لن يعنى اختفاء المدرسة القديمة، تركيبا ومحتوى وتفاعلات بين الطلبة ومدرسيهم وبين الطلبة أنفسهم، وإنما سيعنى أن حضور التكنولوجيا التعليمية، وبالتالى التعلم المدرسى عن بعد، سيكون بارزا وضروريا كمكمل للتعليم المدرسى عن قرب وليس كمتصارع معه. الاتفاق على هذه المعادلة ضرورى جدا، لأنه سيرسم خطوات كل الإصلاحات الضرورية فى المدرسة القديمة من جهة وسيعقلن إدخال التكنولوجيا من جهة أخرى.
إذا لم نواجه هذا الموضوع بذلك الشكل فعلينا الاستعداد لمواجهة التالى:
1ــ إحداث تغييرات جذرية فى العائلة العربية. فالأم، المرشحة للإشراف على أولادها الذين سيتعلمون عن بعد من البيت، ستحتاج أن تترك عملها لتفرغ لهذه المهمة. وإذا كانت غير عاملة فستحتاج إلى تدريب تربوى وتكنولوجى يؤهلها للقيام بتلك المهمة. أما إذا كانت هناك حالة طلاق فى العائلة فإن الأمر سيكون أعقد وأصعب.
2ــ ماذا عن غياب التفاعل الاجتماعى والثقافى فيما بين الطالب ومعلميه وزملائه فى الصف والمدرسة الذى سيختفى نهائيا إن تعلم الطالب من بيته؟ ألن تكون نتائج ذلك الغياب كارثية بالنسبة لتنشئة شخصية الطالب الذهنية والعاطفية والروحية والاجتماعية؟ هل العلاقات الأسرية الحديثة قادرة على أن تسد هذا النقص؟ هل البرامج التلفزيونية والتواصل الاجتماعى الإلكترونى قادر على أن يحل محل المدرسة والصف؟ الجواب على هذه الأسئلة هو حتما كلا.
3ــ لقد لوحظ إبان غياب الطلاب عن مدارسهم زيادة فى قلقهم العاطفى والنفسى.
أما المعلمون الذين سئلوا عن مقدار رضاهم بما حدث فإن غالبيتهم الساحقة أكدوا بأن غياب التفاعل الصفى سينزل مستوى التعليم والتنشئة بصورة كبيرة خطرة.
4ــ إن أهم مساعدة للفقراء هو إعطاؤهم من بدايات التعليم المدرسى تعليما جيدا وتنمية للذات وذلك من أجل حراكهم الاجتماعى المستقبلى للخروج من حالة الفقر. فهل أن حاجتهم الغذائية وأوضاع عائلاتهم المنهكة والجاهلة وإمكانيات ذويهم المالية المحدودة ستكون قادرة على تلبية متطلبات التعلم المدرسى عن بعد؟
هناك فى الواقع عشرات الجوانب التى ستحتاج إلى معالجة، مما يستدعى معالجة هذا الموضوع بهدوء وعقلانية، ومن خلال مصلحة أولاد وبنات العرب فقط، وليس من خلال تهويمات المتطفلين على حقل التربية والتعليم العربى.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات