يجب أن نتحدث عن الجيش.. وهذا الحديث لن يكون سهلًا - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يجب أن نتحدث عن الجيش.. وهذا الحديث لن يكون سهلًا

نشر فى : الأحد 5 ديسمبر 2021 - 8:20 م | آخر تحديث : الأحد 5 ديسمبر 2021 - 8:20 م
عندما يُطلب من ضباط رفيعى المستوى فى الجيش الدفاع عن عمل أو عن تقصير ما فى الجيش، هم يسارعون إلى التذكير بأن الجيش هو المؤسسة التى تحظى بالكثير من الاحترام فى إسرائيل. وهذا صحيح فعلا، ففى كل استفتاء يُسأل فيه الجمهور عن مدى ثقته بمختلف المؤسسات يأتى الجيش فى المرتبة الأولى، قبل رئيس الدولة وجهاز القضاء، وقبل الحكومة والكنيست ووسائل الإعلام بكثير.
وهذه الصورة لا تشكل مفاجأة، المفاجأة لو كان الأمر مختلفا، وذلك لأسباب واضحة وهى: إن الجيش الإسرائيلى هو جيش الدفاع عن الدولة التى تعيش فى صراع أمنى منذ قيامها؛ هو جيش الشعب، نحن الذين خدمنا فيه، وأولادنا من بعدنا. ونحن الذين نعطيه معظم الموارد بكل معنى الكلمة: الميزانية وشرعية العمل، ونقدر خدماته. التشكيك فى قدرته أو فى صدقية أعماله يوازى تقريبا التشكيك فى صدقية حياتنا ومستقبلنا.
الثقة بالجيش لا تنبع، طبعا، من فحص جذرى لعملياته. وفى الواقع، عندما تسأل الجمهور عن نتائج العمليات العسكرية، عملية «حارس الأسوار» على سبيل المثال، فإن تقديره متوسط جدا، لكن تبرير ذلك أن الجيش نفذ ما طُلب منه، وأن المستوى السياسى هو المذنب. وكونى عالجت هذا الموضوع منذ عشرات الأعوام، أستطيع القول إن الجمهور الإسرائيلى يتهرب من نقاش حقيقى لقدرة الجيش وعملياته، مقارنة بالموارد التى توظَف فيه والتحديات الحقيقية التى يواجهها. وتظهر المسألة كسؤال الأم عن ابنها.
لكن عندما نفحص الصورة فى العمق نكتشف تصدعات. فقد أظهرت استطلاعات متعددة أن الثقة بالجيش ليست هى فقط التى تراجعت ــ بعد أن اتضح ضلوع الجيش فى مسائل الكورونا المتعددة، انخفضت نسبة الثقة بالجيش 10%، بحسب المعهد الإسرائيلى للديمقراطية ــ بل إن هذه الثقة أيضا محصورة فقط فى الأداء العملانى للجيش، المجال الذى نخاف من المس به. عندما نسأل عن أمور أخرى، من الصعب التصديق أن الجمهور يعتقد أن الجيش هو مؤسسة ناجعة، وأنه فعلا يلتزم بالقيم، ويكيف نفسه مع حاجات المرحلة، لكن من جهة أُخرى، يعتقد الجمهور أن عملياته ناجحة.
أعتقد أن هناك علاقة واضحة بين الأمور، فالجمهور لم يصدق، بصورة خاصة، الكلام عن «نصر ساحق» فى عملية «حارس الأسوار»، والكتابات الدعائية عن «الحرب الرقمية الأولى»، وتضخيم الضربة الاستراتيجية التى وُجهت إلى «حماس» فى «تفجير المترو»، الذى سرعان ما تبين أنه لم يؤد إلى مقتل أحد تقريبا. لكن الجمهور لا يترجم هذه المواقف من خلال التعبير عن عدم ثقته بالقدرات العملانية للجيش، لكنه يعبر عن شكوكه عندما نسأله ما إذا كان الجيش ناجعا وملائما لعصرنا.
•••
الرقم المهم الذى كشفه الاستطلاع الأخير لمعهد الديمقراطية هو أن أغلبية الجمهور اليهودى تؤيد إلغاء الخدمة الإلزامية ونموذج «جيش الشعب»، والانتقال إلى جيش متطوعين ــ مرتزقة، وهو ما يُطلق عليه عموما «جيش محترف». وهذا الرقم مهم بالنسبة إلى إسرائيل لأن الجيش، منذ أيام بن جوريون، هو بوتقة الصهر ورمزها الأبرز، وهذا الرقم مثير للدهشة بالنسبة إلى الجيش بحد ذاته، لأنه إذا كان نموذج الخدمة فيه قد عفا عليه الزمن، فما معنى ذلك بالنسبة إلى قدراته. مَن لا يفهم أن هذا الرقم والأرقام الأُخرى التى تظهر فى كل استطلاع هى تعبير عن أزمة، فإنه يدفن رأسه فى الرمل.
عميرام ليفين من الذين يحق لهم توجيه انتقادات قاسية إلى الجيش. ليس فقط لأنه كان قائدا لفرقة سييرت متكال، وقائد كتيبة مدرعة فى حرب لبنان الأولى (1982)، وقائد المنطقة الشمالية فى الأعوام التى شهدت ذروة الحرب ضد حزب الله، وكان أيضا نائبا لرئيس الموساد؛ وليس فقط لأنه جُرح 4 مرات، وأصابته نيران العدو والنيران الخفية فى حروب الجنرالات. ليفين هو قائد نادر، وأهميته الأصلية لا تكمن فى تشكيلِه وحدة النخبة فى الجيش الإسرائيلى، بل فى الأساس فى توجيه جيل كامل من القادة الذين كبروا معه فى أيام «الحرب من دون إشارة» [المقصود المواجهات بين الجيش الإسرائيلى وحزب الله فى الحزام الأمنى فى لبنان]....
ينظر ليفين إلى الجيش ويرى مؤسسة تجد صعوبة فى التوفيق بين الطريقة التى ترى فيها نفسها وبين ما يظهر فعلا فى المرآة ويبرز من حين إلى آخر فى ساحة القتال أو فى استطلاعات الرأى. وهذا ليس ذنب الجيش وحده، بل هو نتيجة أعوام كثيرة جدا لسياسيين شعروا بأنهم ضعفاء وليس لديهم شعبية مقارنة بالمؤسسة العسكرية، وجزء منهم لا يتعمق فيها، بل يكتفى بكليشيهات، مثل «أفضل سلاح جو فى العالم»، أو «الجيش الأكثر أخلاقية فى العالم»، ولا يقوم هؤلاء بإجراء تقديرات ولا نقاشات لمسائل عميقة تتعلق بالجيش.
انظروا بأى سهولة وسرعة اتُخذت أخيرا قرارات بالمليارات لها أهمية كبيرة فى موضوع تقاعُد الجيش النظامى ورواتب الجنود النظاميين [أخيرا اتُخذ قرار بزيادة هذه الرواتب 50%]. انظروا إلى الحرج الذى يشعر به الجيش فى موضوع قواته البرية، التى هى أساس القوة العسكرية إجمالا التى يتحدثون عنها منذ عشرين عاما من دون أن يحدث شىء.
يجب أن نتحدث عن الجيش. قبل 23 عاما عُين شاوول موفاز قائدا للجيش، وكان من أفضل رؤساء الأركان. ولدى تسلُمه منصبه قال موفاز: «آمل أن أكون رئيس أركان السلام»، وخلال عامين وجد نفسه غارقا فى الحرب. فى أى سيناريو معقول، حتى لو كان جريئا سياسيا، سيبقى الصراع وإسرائيل بحاجة إلى جيش...
يجب أن نتحدث عن الجيش، لأن الحكومات والمجالس الوزارية لن تصلح الوضع. ليس لديهم الشجاعة ولا المعرفة. عندما كنت رئيسا للجنة المتفرعة من لجنة الخارجية والأمن فى الكنيست لشئون العقيدة الأمنية وبناء القوة، قدمنا تقريرا من 70 صفحة عن خطة رئاسة الأركان المتعددة السنوات «جدعون». وجرى وضعه بتعاون وثيق بين اللجنة وبين الجيش وبموافقة رئيس الأركان آنذاك غادى أيزنكوت. فى الجيش قرأوه بإمعان، ونائب رئيس الأركان آنذاك أفيف كوخافى الذى أصبح رئيسا للأركان اليوم شكل طواقم لتحقيقه. عضو واحد من المجلس الوزارى المصغر طلب منى مناقشته هو يوآف جالانت، وهو اليوم رئيس المعارضة، وأشك فى أن الآخرين، بينهم رئيس الحكومة الحالى، قرأوه.
•••
أغلبية الجمهور الإسرائيلى مع انتهاج موقف هجومى حيال تعاظُم القوة العسكرية لحزب الله، والتمركز الإيرانى فى سورية، واستفزازات «حماس». هذه المواقف يمكن أن تؤدى إلى حرب، فمنذ 40 عاما لم تنشب حرب هنا بقرار، بل دائما نتيجة تدهور لم يرغب فيه أحد الطرفين. وإذا حدثت حرب هنا فى الشمال، فإنها ستكون مختلفة عن تلك التى نعرفها.
دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلى بصورة خاصة يجب أن يكونا مستعدين لهذه الحرب. يواجه الجيش فى الأعوام المقبلة تحديات ضخمة فى اليد العاملة، وفى توزيع الموارد وإعداد خطط فعلية ومهمة فى مواجهة التحديات القريبة والبعيدة. وهو غير قادر على القيام بذلك إذا لم نتحدث كلنا عنها. إذا واصلنا القول انطلاقا من الخوف، وليس انطلاقا من معرفة أن كل شىء سيكون بخير، وأن القيادة تدرك ماذا تفعل، فيُعتبر ذلك جريمة بحق الجيش وبحق أنفسنا.
التعليقات