القوة الناعمة لمصر - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 12:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القوة الناعمة لمصر

نشر فى : السبت 1 فبراير 2014 - 8:05 ص | آخر تحديث : السبت 1 فبراير 2014 - 8:05 ص

بعد ثورة 25 يناير 2011 التى ضمت معظم فئات الشعب وكانت أغلبيتها من الشباب، وحيث لم يكن لها قائد واضح فقد ركبها الأكثر تنظيما (الإخوان) باتفاق مع الخارج وموافقة الثوار والجيش، ثم جاءت ثورة 30 يونيو 2013، والتى تقدمها تيار آخر من الشباب بقيادة جماعة تمرد حيث كانت الأعداد أكبر والحماسة أعظم لإسقاط من قبلوهم حكاما لمصر بعد أن خاب أملهم فيهم تماما، والثورتان كانتا متشابهتين فى قيادة الشباب والحماسة الثورية وإن كانت الثانية أكثر نضجا، وجاءت الموجة الثالثة من الثورة، ثورة ناعمة ناضجة «واثقة الخطوة تمشى ملكا» إلى صناديق الاستفتاء على الدستور.

معظم الذين شاركوا فيها لم يشاركوا فى الثورتين السابقتين، لكنهم كانوا معهما بقلوبهم وعقولهم مؤيدين ومشجعين، لكنهم رأوا وتأكدوا أن القيادات التى برزت نتيجة الثورتين السابقتين منهم من لم يكونوا بالنضج الكافى ولا القدرة الكافية على إقناعهم بأنهم لا مصلحة خاصة لهم إلا مصلحة الوطن، وآخرون لم يكن فى ذهنهم مصلحة الوطن أصلا، وفريق ثالث وضح أنه قام بالثورة ليكون رئيسا للجمهورية وليس لديه الاستعداد أن يكون نائبا أو رئيسا للوزراء، وفريق أخير كان يوجه الثورة كأستاذ زائر يوجه ثوارا من العالم الثالث يحتاجون أن يجلسوا أمامه كتلاميذ يتلقون ما يتلى عليهم ويحققونه لأنها أحدث المواصفات العالمية للثورات، وعندما وجدوا أن الذين بيدهم الأمر يفكرون بطريقة مختلفة واقعية تركوا الجمل بما حمل، ولما رأى الشعب الجالس فى الظل كل ذلك قرر أن يترك الظل الظليل، وأن يقوم بثورته الناعمة من خلال صناديق الاستفتاء.

•••

جاءوا من كل فج عميق يتكئون على عصيهم أو أولادهم أو زوجاتهم أو أزواجهم جاءوا نساء محجبات منتقبات سافرات أياديهن فى أيد بعضهن البعض. جاءوا مسيحيون من كل الطوائف يضعون أياديهم فى أيادى مسلمين من كل المذاهب، منهم من يطلق اللحى ومنهم من يلبس الكاسكيت، وثالث يطلق شعره كالمجنون، نساء وشباب ورجال معظمهم من أنضجتهم الأيام فهبوا لنصرة الوطن وإنقاذ الثورة وأقلية فيهم شباب مخلص أنضجتهم الثورات وهبوا لحماية ثوراتهم، وجاءوا ليعلنوا وبقوة ما يلى:

أنهم اسقطوا مشروع (السادات ـــ الإخوان): والذى بدأ فى عام 1977 نتيجة مظاهرات الخبز وهدفه القضاء على اليسار المتمرد، وقد تبناه من بعده حسنى مبارك رغم أنه رأى بعينيه الجماعة الإسلامية، وهى تقتل السادات، لكنه استمر فى مداهنتهم خاصة بعد تشجيع أمريكا للإخوان، بل كان عاملا أساسيا فى تشجيع التيار السلفى لكى يضرب به الإخوان لكن الاثنين تحالفا معا وكانا من أوائل الذين تنكروا له وهكذا وصل التيار الإسلامى إلى قمته بحكمه لمصر ثم إنهار بعد عام من الفشل تماما، ولم ولن تقوم له قائمة ثانية لأن هذه الثورة الناعمة ضمت الشعب المصرى الحقيقى الذى تاق إلى الاستقرار وعاصر قوة الدولة من ناصر حتى بداية مبارك وهكذا خرج الشعب الساكن فى الظل إلى النور ليعلن نهاية المشروع.

أنه لا عزاء للاحزاب التى كانت كارتونية ومازالت: فرغم فعاليات الثورتين، إلا أن الاحزاب لم تستطع أن تعلن عن ذاتها كقوة على الارض، ولا عن قدرتها لأن تكون رقما فى المعادلة المصرية مع الجيش والازهر والكنيسة وقبلهم جميعا الشعب المصرى الذى عاش فى الظل يراقبهم ولما رآهم فى هذه الحالة التى يرثى لها بعد أن أعطاهم أكثر من فرصة خرج ليعلن أنه لا عزاء للاحزاب ولا قياداته والتى كان متوقعا أنه يصير واحدا منهم رئيسا للجمهورية، لكنهم اختلفوا وتصارعوا ووضح تهافتهم على السلطة وعدم قدرتهم على اقناع الناس والآن وبعد الاستفتاء عليهم أن يتوقفوا عن الحلم بالكرسى.

•••

استكمال المشاريع التى لم تكتمل: لقد اشتهرت مصر الحديثة بكم المشاريع التى بدأت، ولم تكتمل منذ المؤسس محمد على الذى بدأ الحداثة فى مصر بجيش وطنى (قوة)، ومدارس للطب والهندسة والبنات (تعليم)، وقوانين عالمية تترجم وتطبق فى القضاء (عدالة)، وقدرة على حماية الدولة فى الداخل والامتداد فى الخارج لكن المشروع لم يكتمل بسبب تدخلات خارجية وقلة الوعى الداخلى، ثم كان هناك مشروع الخديو إسماعيل، والذى أجهضته الديون الخارجية وجاء عبدالناصر بمشروع عظيم من خلاله صار زعيما للوطن العربى والقارة الأفريقية وأسس كتلة عدم الانحياز مع نهرو زعيم الهند وتيتو زعيم يوغوسلافيا، وبنى السد العالى وغيره الكثير، وأصبحت كلمة مصر مسموعة محليا وعالميا. لكن هزيمة 1967 أجهضت مشروعه، وهكذا خرج الشعب الساكن فى الظل إلى النور ليعلن أنه سوف يستكمل المشاريع التى لم تكتمل.

إن شعب مصر يعرف كيف يفرح: لقد كان الحديث دائما عن إن شعوب العالم لديها رقصات شعبية تعبر من خلالها عن أفراحها وابتهاجها فى أى مناسبة فتنزل إلى الشوارع ليرقصوا معا، وكان كثيرون من المحللين والمثقفين يقولون إن الشعب المصرى ليس لديه هذه النوعية من التعبير بل هو شعب يخشى الفرح وعندما يضحك يردد (اللهم اجعله خيرا). وقد خرج الشعب من الظل إلى النور ليسقط كل هذه الادعاءات.

فالنساء والرجال والشباب يرقصون ويصفقون ويزغردون، فى رقصات فردية وجماعية لقد حاول مدعو التدين الذين يعتبرون الفرح والبهجة والرقص والموسيقى والفن رجس من عند الشيطان أن يعتقلوا الشعب المصرى داخل زنازين التخلف عن العصر والجهل بالدين، إلا أن الشعب حطم الأغلال (خاصة النساء والبنات) وخرجوا جميعا ليقولوا لمثل هؤلاء أنتم يجب أن تتعلموا منا وليس العكس فأنتم الذين عليكم مراجعة أفكاركم التى تجتروها من عصور الانهيار والهزيمة والتقوقع، من أئمة التطرف والتعصب والإرهاب، واعلموا أن الدين يسر لا عسر، ونحن شعب متدين بالفطرة ونعلم جيدا أن الموسيقى والفن والابتهاج لا تتعارض إطلاقا مع التدين بل إن الفهم الحقيقى للدين هو الذى دعانا لأن نفرح ونبتهج بهذه الصورة. وهكذا ألقى الشعب دروسه على الجميع، والجميع فى ذهول وادراك إنهم لن يستطيعوا ــ مهما فعلوا ــ أن يعيدوا هذا الشعب العظيم إلى مستنقعاتهم الفكرية.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات