مثقفون فى مرايا «نميمة» سليمان فياض - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مثقفون فى مرايا «نميمة» سليمان فياض

نشر فى : الجمعة 9 أغسطس 2019 - 11:20 م | آخر تحديث : الجمعة 9 أغسطس 2019 - 11:20 م

سليمان فياض (1929ــ2015)، واحد من آباء السرد الجديد فى ما بعد نجيب محفوظ، وأحد أقطاب جيل الستينيات، وصاحب الصوت الخاص والمتفرد فى المشهد الأدبى المعاصر. الكاتب والروائى واللغوى والمؤرخ متعدد الوجوه والمواهب. ترك فياض العديد من الروائع الروائية والقصصية؛ درته الباقية «أصوات»، و«أيام مجاور»، ومجموعاته اللافتة «القرين» و«بعدنا الطوفان»، فضلا عن كتاباته الفكرية والثقافية؛ مثل «الوجه الآخر للخلافة الإسلامية»، وغيرها من الأعمال الإبداعية والدراسات التاريخية واللغوية.

عن دار ميريت بالقاهرة، صدرت الدفعة الأولى من الأعمال الكاملة للراحل الكبير؛ ومن ضمنها كتابه الأشهر والأكثر إثارة للجدل والمناقشة منذ صدوره فى أواخر تسعينيات القرن الماضى؛ أقصد كتاب النميمة بجزءيه «نبلاء وأوباش» و«مساكين». بالتأكيد سيكون صدور هذه الطبعة الأنيقة من الكتاب (450 صفحة من القطع الأقل من المتوسط) بغلاف للفنان المبهر أحمد اللباد، وتحرير كلمة الظهر للناقد المتأمل الفذ محمد بدوى، ضمن أهم ما صدر فى 2019.

ربما يكون هذا هو الظهور الأول للكتاب، منذ آخر مرة رأى فيها النور منذ حوالى ثلاثة عقود، يقول محمد بدوى فى تقديمه المكثف: «فى هذا الكتاب الفريد مجموعة من الصور القلمية أو البورتريهات كما كان المؤلف يسميها مثقفون نبلاء حالمون بعالم جديد، مخلصون للكتابة والخلق الفنى الأصيل. وآخرون أوباش، لم تمنعهم الثقافة من الكذب والنفاق والقيام بأدوار منافية للثقافة».

كان تعرفى الأول على بعض مادة هذا الكتاب الخطير من خلال ما نشره فياض فى كتاب لم يعد موجودًا الآن بعنوان «المثقفون ــ وجوه من الذاكرة» الصادر عن دار سعاد الصباح سنة 1992، وكان يقع فى 125 صفحة فقط. وقع الكتاب بين يدى، لو لم تخنى الذاكرة، وأنا فى الثانوية العامة؛ منتصف التسعينيات من القرن الماضى؛ وكنت سمعت عن الأصداء التى بدأت تشيع فى الأوساط الثقافية عن هذه الكتابة الكاشفة المحللة التى استقبلها البعض بكثيرٍ من التأمل والاستحسان واستقبلها بعض آخر باستهجان وتضرر (خصوصًا ممن طالهم شىء من الفصول الناقدة اللاذعة) وشنوا حملات على الكتاب وصاحبه؛ لم يتبقَ منها سوى وصف «النميمة» الذى ظل ملازما للكتاب وعنوانا عليه.

قرأت الكتاب، وفتننى أسلوبه وتحليله الكاشف وقدرته الفذة على رسم هذه الصور القلمية أو البورتريهات الإنسانية بهذه القدرة المذهلة على التسامى بالنموذج البشرى (حتى فى أحط درجات دناءته وانحطاط روحه)، فستجد فيه ما يجعله نموذجًا عاما ينطبق على «سين» أو «صاد« أو «عين» فى حقب وعصور متعددة ومختلفة.
أما الوجوه التى كتب عنها فياض فأكثر من نصفها من الأعلام؛ كتابًا ومبدعين ونقادًا، ممن لعبوا أدوارًا مهمة وكبيرة فى تشكيل ألوان الصورة الثقافية لمصر فى القرن العشرين، وفى المقابل كتب فياض عن أشخاص آخرين أضفى عليهم أوصافا مجردة أو رمز إليهم بالأحرف الأولى و«الحدق يفهم»!

بعدما قرأت الكتاب؛ اكتشفت أن ثمة شخصيات كنتَ تظن أنك تعرفها أو سمعت عنها؛ مع سليمان فياض ستراها بمنظار لم يخطر لك على بال ومن زاويةٍ ربما لم يدر بخلدك فى أصفى حالاتك أن تؤثر النظر منها!
يعنى مثلا، أزعم أننى من المغرمين بمحمد مندور؛ وأننى من الذين يحملون بعض إرثه، قرأته وقرأت ما كتب عنه؛ لكن ما كتبه سليمان فياض شىء آخر؛ ومن أجمل فصول الكتاب أيضًا (فارس الدائرة المشئومة) عن عادل كامل صديق نجيب محفوظ الأقرب فى بدايات ظهوره، وروايته «مليم الأكبر» التى ستنال من الشهرة أضعاف ما نال صاحبها. كذلك ما كتبه عن سيد قطب، ونجيب محفوظ، وغيرهما.

«كتاب النميمة» معرض إبداعى وفنى لنماذج وأنماط من المثقفين المصريين (وبعض العرب)، الأدباء منهم والمفكرون والنقاد، والمشتغلون بالفنون، ترسم جانبا من الصورة الروحية والاجتماعية لأجواء الثقافة المصرية فى منتصف القرن الماضى، وقد كتب فياض هذه اللوحات جامعا بين أغراض التاريخ والتوثيق والقص والسيرة، معتمدا وسيلة «التصوير» للكشف عن أبعاد الخير والشر وتحولاتهما فى نفوس شخصياته، وهى كلها مما يمكن أن نصنفها أو نصفها بأنها «شخصيات إشكالية»، تعانى بدرجة أو أخرى من الفصام مع ما يصاحبه ذلك من توتر وقلق، شعور بالعظمة أو الاضطهاد، لا يخفف عنهم ويرفع شيئا مما بهم سوى الكتابة والإبداع الذى يمارسونه ويحاولون به استعادة التوازن وتحقيق الذات.