شعبك يصرخ: ارحمنا - محمد موسى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شعبك يصرخ: ارحمنا

نشر فى : الأربعاء 12 أكتوبر 2011 - 8:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 أكتوبر 2011 - 8:50 ص

صلاة منتصف الليل السابقة لقداس عيد الميلاد. جدارية ضخمة للسيد المسيح تضىء القبة، وصور القديسين على جدران كنيسة السيدة العذراء بالسبتية. الأسبوع السابق لعيد الميلاد موسم للصلوات، أو الأجبية.

 

دخلت الكنيسة بعد ترتيب مع أصدقاء، فجريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية قبلها بأيام كانت تزرع الريبة فى كل القلوب، وحتى الآن لم يجد شهداء الجريمة من يتذكرهم، ولم يعرف الأحياء منا ما يطمئننا بعدها على مستقبل أولادنا.

 

بدأ الحضور فى التزايد حتى ازدحمت القاعة الصغيرة، واشتد الزحام فى صف المقاعد الأيمن المخصص للنساء والأطفال. صلاة منتصف الليل تبدأ فى السابعة مساء، وتستمر ثلاث ساعات تقريبا. البداية بترنيمة الصاعد من مزامير داود. «من الأعماق صرخت إليك يا رب، يا رب اسمع صوتي»، ثم تتوالى الترانيم بالعربية واليونانية.

 

نظرت إلى أحد الداخلين يتلمس مقعدا، يحمل كيسا صغيرا. إنه مثلنا: ملامح مصرية مجهدة من السعى طول النهار، والكيس يشى بما داخله، عيش بلدى ولفائف صغيرة من البقالة. ركن الكيس إلى جانبه، وشرع فورا فى الابتهال.

 

تلا الأب الجليل مترنما أسماء ضحايا انفجار الإسكندرية، المعروضة على شاشة كمبيوتر كبيرة، ثم رتل الجميع: كيريا لايسون، يا رب ارحم، وأبانا الذى فى السماء.

 

سيطرت أجواء الحداد والتوسل إلى الله، شعبك وكنيستك يطلبون اليك اليك وبك الى الآب معك قائلين: ارحمنا.

 

انتهت الصلوات بترنيمة للكنيسة أم الشهداء، ثم تعليمات جديدة خاصة بالمظهر يوم العيد: ارتداء الملابس السوداء، ومنع الأطفال من إلقاء المفرقعات أو اللعب أمام الكنائس، وأخيرا الخروج من الكنيسة على دفعات صغيرة، حسب تعليمات الأمن.

 

خرجت من الكنيسة مع ابن شقيقتى، المهندس وليد، الذى يعمل فى السعودية، وكانت صدمته أكبر منى: إنهم مثلنا، غلابة، وخائفون على أولادهم وحياتهم، ولا يوجد أمام الواحد منهم سوى أن يكون مواطنا مصريا بجدارة، أو كنديا إذا طردته أمه، مصر التى أصبحت بلا صاحب.

 

«هذه أيام المعجزات والدهشة»، كما تقول أغنية بول سايمون، ومن المعجزات أن تنهار دولتنا تحت أقدام متطرفين من الجانبين، وتحت سنابك خيول المماليك والمدرعات الغاشمة. ومن الدهشة أن يطلق مرشح رئاسى على إخوتى لفظ «النصارى»، وأن تنصحهم جماعة تضع الإسلام شعارا أساسيا لها «بالصبر والسلوان»، لأنه ليس وقت تصفية الحسابات، ويهرول بعض أصحاب اللحى إلى ماسبيرو، ليهتفوا، وأقدامهم تدوس بقايا دماء الأحد الرهيب، بأن مصر «إسلامية إسلامية».

 

ليست إسلامية ولا مسيحية، بل جنة الله فى الأرض، للمسلم والمسيحى والضيف مهما كانت عقيدته. اسمها مصر، ولن تتحول إلى إمارة من أى نوع، ويا رب الغلابة والأنقياء والمخلصين فى هذا البلد: ارحمنا.

محمد موسى  صحفي مصري