جولة بين آثار انتكاسة الانتفاضة على المستقبل العربى - طلال سلمان - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جولة بين آثار انتكاسة الانتفاضة على المستقبل العربى

نشر فى : الأربعاء 14 نوفمبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 نوفمبر 2012 - 8:25 ص

ضاع وقت ثمين منذ أن أنجز «الميدان» هدفه الفورى بإسقاط أنظمة الطغيان فى أكثر من بلد عربى، وان كان قد عجز عن ضبط المسار إلى التغيير الذى يطمح إلى تحقيقه ببناء «النظام» الذى يحقق مطالبها المشروعة فى بلادها بالحرية والعدالة والتقدم.

 

تفجرت الأخطاء السياسية فى وجه قوى التغيير التى لم تكن تملك برنامجا واضحا، وتعثرت ولادة « النظام الجديد»، واضطرت إلى التسليم بضرورات المرحلة الانتقالية... وكانت تلك فرصة ذهبية لكى تسارع «الأنظمة المحافظة»، ملكية وأميرية، بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم الوقائى،اذ تحكم مفيدة من غناها الأسطورى لشراء الوقت ومحاصرة «الميادين» حيث تفجرت الانتفاضات، «حتى لا يكون التغيير مغامرة غير مضمونة الجانب».

 

●●●

 

كان المهم بالنسبة لهذه الأنظمة تأجيل التغيير الشامل، أو تعطيله، بأى ثمن، حتى لا تنفتح أبواب المستقبل أمام سائر الشعوب المقهورة بالقمع، وبالذات فى الدول ذات الموارد الهائلة التى تعطيها الأرض ويأخذها الغرب بأرخص الأسعار، ويبقى «الرعايا» فى أسر الفقر وقهر السلطان.

 

ولقد نجحت «الأنظمة المحافظة» فى تحقيق هذه الغاية، إلى حد ما، مفيدة من الارتباك العام الذى صاحب عملية انتقال السلطة فى أكثر من قطر عربى فى تزامن مثير، خصوصا وان الإدارة الأمريكية كانت « على الخط» ترصد التطورات وتتابع التحولات وتوزع «النصائح» بضرورة تجنب الصدام أو التعجل فى الكشف عن برامج القوى القديمة التى تصدت لقيادة المرحلة الجديدة، مستفيدة من تبعثر قوى الميدان الفعلية من شباب الفكر الجديد والتيارات المنادية بالتغيير الجذرى.

 

الشواهد على هذا السياق عديدة، مع الأخذ فى الاعتبار أن بين هذه الهجمات مصادرة المرحلة الانتقالية ما كان مبكرا جدا وعلنيا إلى حد الفضيحة، كما فى حالة الانتفاضة الشعبية فى تونس، وبعضها الآخر كان مرتجلا وفوضويا بارتداداته الدموية كما فى حالة الحراك الشعبى فى ليبيا.

 

أما فى مصر، فقد حكم التحفظ والاسترابة طريقة التعامل مع ثورة الميدان، حتى إذا ما اطمأن أصحاب الأمر والنهى إلى تسلم الإخوان المسلمين قمة السلطة اندفعوا يتوافدون على القاهرة مثقلين بوعود المساندة وعروض الاستثمار المجزية تدعيما للعهد الجديد الذى طمأنهم إلى هدوء «عاصفة التغيير» أقله فى المدى المنظور، لا سيما إذا هم أنجزوا وعودهم بالدعم بالسرعة المطلوبة.

 

●●●

 

بالمقابل فإن هذه «الأنظمة المحافظة» لم تستطع أن تتقبل فى البلاد التى تحكمها ارتفاع الأصوات بالاحتجاج، أو بتأييد الانتفاضات وميادينها فى مختلف الأقطار التى انتصرت فيها إرادة التغيير.

 

بل إن هذه «الأنظمة المحافظة» قد بادرت إلى مصادرة التغيير فى اليمن وشراء الوقت لمنع انتصار الثورة، فضغطت على الرئيس على عبدالله صالح، بوسائل عديدة أهمها المال والتهديد بزلزلة الأرض تحت أقدامه، فى الشمال كما فى الجنوب... وهكذا اضطر إلى التسليم بالثمن بعد ما نال التعويض عن الرئاسة نقدا ووعودا بحفظ أقاربه، أبناء وأصهارا، ومناصريه فى زمن الشدة.

 

ومع أن اليمن مفتوحة لتأثيرات وتدخلات من أطراف أخرى، بينها إيران التى يتهمها «النظام الجديد ــ القديم» بمناصرة «الحوثيين»، فإن قوى الانفصال فى الجنوب تجد الآن من يغذيها فى أكثر من عاصمة نفطية تخاف من استقرار اليمن بما يمكنه من لعب دوره كدولة كبرى فى منطقة تتحكم ببحور عديدة بعضها يشكل الممر الإجبارى للنفط العربى إلى الغرب، الأمرىكى أساسا، والأوروبى من بعد.

 

كذلك فإن هذه «الأنظمة المحافظة» لم تستطع أن تتقبل التداعيات المنطقية لأصوات الاعتراض التى ارتفعت فى البحرين. احتجاجا على بطش نظامها الملكى ونكوله بوعوده وتعهداته بالسماح بقدر مضبوط من الديمقراطية فى ظل العرش... وهكذا بادرت فورا إلى إيفاد بعض قواتها العسكرية تحت القيادة السعودية إلى المنامة لمواجهة انتفاضة شعب البحرين السلمية المطالبة بالحقوق الطبيعية للمواطنين فى بلادهم. وكان متوقعا أن تشوه الانتفاضة باستعادة تهمة ممجوجة تشكك فى عروبة هذا الشعب الراقى والذى مكنته ظروفه من سبق أقرانه فى منطقة الجزيرة والخليج فى مجال العلم، وفى بناء حركة نقابية مميزة بتاريخها النضالى، ومن ثم فى التعرف إلى الأحزاب والحركات السياسية التى كانت تقود الحراك الشعبى فى المشرق (البعث وحركة القوميين العرب والشيوعى). هكذا وجهت إلى المنتفضين التهمة التى تعادل الخيانة، إذ وصموا ــ مرة أخرى ــ بأنهم «إيرانيون» ان لم يكن فى النسب والأصول ففى التوجه السياسى.

 

مرة أخرى، كرر النظام الملكى فى البحرين أخطاء الماضى، متسلحا الآن بدعم دول مجلس التعاون الخليجى، متجاهلا النصائح الأمريكية المتوالية بأن «يسمح» بقدر من الديمقراطية تتيح «لشعبه» الراقى أن يتنفس.

 

●●●

 

على أن المفاجأة تأتى الآن من الكويت. فمن غير المفهوم أن يعجز نظامها الأميرى الذى اتسم فى ماضيه بقدر من الحكمة والتوازن وحسن قراءة الخريطة السياسية عن معالجة الوضع المأزوم الراهن الذى ينذر بمخاطر تتهدد، مرة أخرى ومن الداخل الآن وليس من الخارج، هذه الإمارة الغنية، والتى سبقت إلى التعرف على «الدولة» بمعناها الحديث، وأنجزت خطوات واسعة على طريق تحصينها بنوع من الديمقراطية والمشاركة الشعبية فى السلطة.

 

ذلك أن الكويت كانت طليعية فى اعتماد نوع من الحكم الدستورى. وكان مؤسس «الدولة الحديثة» فيها الشيخ عبدالله السالم الصباح على قدر من الوعى وحسن قراءة التحولات فى المنطقة من حول إمارته الصغيرة والغنية... وهكذا فإنه بادر، مع جلاء القوات البريطانية وإعلان الاستقلال، الإفادة من خبرات السابقين إلى بناء الدولة، فجاء بالعديد من الخبراء فى مختلف المجالات، واتخذ قرارا خطيرا: اعتماد الدستور أساسا والنظام البرلمانى قاعدة لحكم الأسرة. وهكذا استدعى الخبير المصرى المميز فى القانون الدستورى عثمان خليل وعهد إليه بكتابة دستور لدولة رئيسها أمير من أسرة آل الصباح، لها مجلس نيابى، وحكومة تمثل أمامه لنيل ثقته ومؤسسسات رقابة ومحاسبة.

 

بالمقابل، فإن النظام السورى الذى واجه انتفاضة شعبه بالعنف غير المحدود يتحمل المسئولية عن غرق هذه البلاد ذات التاريخ المضىء فى النضال العربى فى بحر من دماء شعبها الذى لم يتأخر عن تأدية واجبه القومى على أية جبهة عربية. ومن باب الاستذكار نشير إلى موقف سوريا المميز من العدوان الثلاثى على مصر، سنة 1956، فضلا عن مناصرة شعبها المفتوحة لشعب فلسطين فى نضاله المفتوح ضد الاحتلال الإسرائيلى منذ 1948 وحتى اليوم، ومن دون أن ننسى الدور المميز لهذا الشعب فى نصرة ثورة الجزائر، ثم فى اندفاع طلائع من أبنائه ليساعدوا فى حملة التعريب التى كان نجاحها شرطا لتوكيد الهوية الأصيلة للجزائر التى اعتمد الاستعمار الفرنسى سياسة الفرنسة بالقوة لإخراجه من انتمائه القومى.

 

●●●

 

ان انتكاسة الانتفاضة العظيمة مفجعة.. لأنها كانت مصدر الأمل فى أن تستعيد هذه الأمة وعيها بذاتها وبقدراتها وبحقها فى أن تكتب التاريخ الجديد لهذه المنطقة خارقة الأهمية دوليا، سواء بموقعها أم بثرواتها الطبيعية، وأساسا بقدرات شعوبها التى خاضت معارك بطولية من اجل تحررها واستعادة هويتها الأصلية ثم انتزاع حقها بالتقدم والكرامة والاستقلال.

 

ويتابع العرب بقلق بالغ التخبط الذى يمارسه الحكم الجديد فى مصر، والذى وصل إلى سدة السلطة بقوة الميدان، سواء فى الداخل أم فى السياسة الخارجية، وصولا إلى العلاقة مع العدو الإسرائيلى، فضلا عن الموقف المتهافت أمام شروط البنك الدولى لإقراض مصر ما يساعدها على تخطى مرحلة تخطى الانهيارات التى تسبب فيها عهد الطغيان.

 

ذلك أن غياب مصر عن دورها القيادى فى منطقتها يتسبب فى افتقاد الأمة الطريق إلى غدها... وكانت ثورة الميدان مصدر الأمل فى تغيير ينهى الطغيان فعلا ويمهد لبداية عهد جديد فى مصر وقد استعادت روحها وقدرات شعبها والتفاف أمتها من حولها.

 

هل من الضرورى التذكير بأن هذا الوطن الكبير يفتقد ــ منذ غياب مصر عن دورها الطبيعى ــ قيادة مؤهلة تفيد من قدراته العظيمة لبناء الغد العربى الأفضل؟

 

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات