من التوافق إلى المواجهة - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من التوافق إلى المواجهة

نشر فى : الثلاثاء 16 يونيو 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 يونيو 2015 - 9:30 ص

لطالما تغنت القيادة السياسية بـ«المعجزة» التونسية التى مكنت «الإخوة الأعداء» من تجاوز المأزق السياسى، والتوصل إلى مجموعة من التوافقات، كتابة الدستور، والمصادقة على مجموعة من القوانين، وإحداث عدد من الهيئات والمؤسسات. وتعتبر آلية التوافق بمثابة العصا السحرية التى أنقذت البلاد من أتون الحرب الأهلية، وسمحت بإيجاد مناخ اجتماعى سلمى.

بيد أن آلية التوافق التى ارتكزت عليها التجربة الديمقراطية الفتية سرعان ما فقدت نجاعتها وبهرجها إذ عرفت تونس خلال هذه السنة سيلا جارفا من الاحتجاجات المستمرة التى عطلت المرافق العمومية، وألحقت الأذى بشرائح اجتماعية كثيرة نذكر على سبيل المثال الإضراب فى القطاع الصحى وشركة الكهرباء والغاز، والنقل، والتعليم وغيرها.

ولئن سعت حكومة «الصيد» إلى تجاوز الصعوبات مفضلة تقديم التنازلات وعدم تطبيق القانون و'اللين' فى المعاملة تجنبا للمواجهة فإن تواتر نسق الاحتجاجات وخروجها من الإطار المنظم والقانونى إلى التحركات الفوضوية المهددة لأمن البلاد أدى إلى تأزم الوضع بين الحكومة ممثلة فى وزير التربية والمنضوين تحت النقابات (أى الاتحاد العام التونسى للشغل)، خاصة نقابة التعليم الابتدائى. فبعد عزوف المعلمين عن إجراء الامتحانات، وخروجهم إلى الشوارع مطالبين بإقالة الوزير هاتفين: ارحل، وحاملين شعارات تطالب باحترام كرامة المعلمين جاء رد الوزير الذى لم يكن فى الحسبان فقد قررت الوزارة تمكين كل التلاميذ من النجاح، وهو إجراء استثنائى يوفر قدرا من الاطمئنان لآلاف العائلات التى تعيش منذ أسابيع حالة من التوتر والقلق والغضب.

***

توضح حالة الاحتقان الاجتماعى السائدة هذه الأسابيع مدى استشراء ثقافة العنف فى المجتمع. فالجميع يهدد بالتصعيد: ''التصعيد التصعيد والعزيمة من حديد»، ويتوعد بمقاطعة العودة المدرسية المقبلة، ويستعمل السجل اللغوى الحربى من ذلك الشعار الذى رفع 'لا معلومة حتى تركع الحكومة'، وهو أمر يكشف النقاب عن البنية النفسية إذ هيمنت حالة اليأس والغضب والشعور بانسداد الأفق على الجموع لاسيما بعد ارتفاع الأسعار، وتدنى قيمة الدينار التونسي، وصعوبة تلبية الاحتياجات الضرورية، وتواتر العمليات الإرهابية، وارتفاع نسبة الجريمة (الاغتصاب، القتل، التهريب، السرقة...) فضلا عن ارتفاع عدد المقبلين على الانتحار.

وليس اللجوء إلى استعمال أشكال العنف إلا علامة دالة على انحسار أفق الحوار، وعسر التوافق بعد أن تفاقمت الأزمات، وعلى رأسها أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم. فهل يعنى هذا أن آلية التوافق كانت صورية، وهشة لم تستطع أن تترسخ فى الأذهان فتغدو وسيلة لبناء علاقات سوية؟
وما من شك فى أن تجذر ثقافة العنف يقوض السلم الاجتماعية، ويعيق كل الاجراءات التى انطلقت إن كان ذلك على مستوى إجراء الإصلاحات أو محاولات البحث عن الحلول العملية لتحسين الأوضاع الاقتصادية. ونذهب إلى أن الأوضاع تسير فى اتجاه مزيد من الاحتقان إن لم يتدارك الفاعلون السياسيون أمرهم وينتبهوا إلى خطورة الموقف. فالمهمشون و'المعذبون فى الأرض' والمكدودون وغيرهم من الفئات التى عيل صبرها وما عادت تثق فى خطاب السياسيين.

فإن قيل: إن الدولة ما عادت تملك الأموال لتزيد فى الأجور، وقد ارتفعت نسبة المديونية رد المحتجون «وينو البترول»، وإن قيل لهم إننا صغنا سياسات من أجل إصلاح ما أفسدته حكومة الترويكا أجابوا: «حل الدوسى» (الملف) وإن قيل لهم لسنا مسئولين عن هذا الدمار وإنما هى الحكومات المتعاقبة قالوا: ألم تعدونا فى الحملات الانتخابية بإنقاذ البلاد؟.

***

والظاهر أن التونسيين من فرط ما رأوا من عجائب وغرائب خلال هذه السنوات «العجاف» ومن كثرة ما سمعوا من نوادر هى فى الحقيقة، من المضحكات المبكيات ما عادوا قادرين على تحمل الشروط الموضوعية لعملية الانتقال الديمقراطى ولا تفهم الإجراءات القانونية، ولا علوية القانون ولا احترامه. أما أتباع النداء الذين انتخبوا الحزب 'الحداثى' لينقذهم من 'براثن النهضة ' فما عادوا يدعمونه: لسان حال أغلبهم «لو خرجت من جلدك لما عرفتك».

التعليقات