أى مستقبل للعـراق؟ - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أى مستقبل للعـراق؟

نشر فى : الخميس 18 نوفمبر 2010 - 12:05 م | آخر تحديث : الخميس 18 نوفمبر 2010 - 12:05 م

 
عندما بلور إياد علاوى قائمته «العراقية» قبل الانتخابات البرلمانية التى جرت فى العراق فى شهر مارس الماضى شعر المرء بتفاؤل حذر. كان مبعث التفاؤل هو ما بدا من أن علاوى يحمل مشروعا غير طائفى لمستقبل العراق، فهو شيعى المذهب، لكنه جمع حوله قوى مهمة ومؤثرة من سنة العراق.

أما الحذر فسببه أن علاوى قد سبق له تولى منصب رئيس الوزراء فى ظل الغزو الأمريكى للعراق وبرضا من سلطاته، ومع ذلك فإن السياسة للأسف لا تعرف الألوان ناصعة البياض أو حالكة السواد، ولذلك كان منطق التفاؤل الحذر بشأن دوره المحتمل فى مستقبل العرق يستند إلى أن مشروعه السياسى هو أفضل المشروعات المطروحة فى الساحة العراقية، وأن فوزه فى الانتخابات قد يحمل معه من ثم أملا فى مستقبل غير طائفى للعراق.
ثم جرت الانتخابات، وحققت قائمة علاوى اختراقات مهمة فى عدة مناطق بالعراق بغض النظر عن البعد الطائفى، وحصلت ــ أى قائمة «العراقية» ــ على أكبر عدد من المقاعد فى البرلمان العراقى مقارنة بغيرها من القوائم، وإن لم تحصل على الأغلبية المطلقة، ثم بدأت عملية تقليص مقاعد «العراقية» بوسائل سياسية تذرعت بتورط بعض ممثليها فى ممارسات غير مقبولة فى ظل النظام السابق بما يبرر تطبيق قانون اجتثاث البعث على هذا البعض. تمسكت «العراقية» فى البداية بمنصب رئيس الوزراء باعتبارها القائمة الأكثر تمثيلا فى البرلمان وذلك وفقا لأصول النظام البرلمانى، وإن كانت قدرتها على تكوين ائتلاف للأغلبية بدت محدودة فى ظل التقارب الواضح بين ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نورى المالكى والكتلة الكردية فى البرلمان. ومع ذلك فقد داعب الأمل من حين لآخر قادة «العراقية» فى ألا يضيع المنصب منهم، خاصة بعد التغير الواضح فى توجهات كتلة «المجلس الإسلامى الأعلى» إزاء المالكى، لكن إيران عملت بدأب على إدامة الوضع الراهن فى العراق من خلال وساطتها المستمرة بين الكتل الشيعية المختلفة، وبدا دورها طاغيا حتى إذا قورن بالدور الأمريكى، ناهيك عن الدور العربى العاجز أصلا.


أصبحت «العراقية» على النحو السابق مواجهة بسؤال استراتيجى: هل تقبل فى السنوات القادمة حتى يجىء موعد الانتخابات التالية دور المعارض القوى صاحب المشروع الوطنى الذى قد تتعاظم فرصه فى التأثير على السياسة العراقية مع مزيد من إفلاس المشروع الطائفى لمستقبل العراق؟ أم تدخل بنية السلطة فى ظل ترتيبات لا تمكنها من توجيه السياسة العراقية فى الاتجاه الذى تراه الأفضل؟ وبينما يتصور من هم مثلى أن الاستراتيجية الأولى هى الصحيحة، خاصة على المدى الزمنى الأبعد، فإنه من الواضح أن «العراقية» قد اختارت الاستراتيجية الثانية، وبدأت تمارس «مناورات السياسة» وليس «مشاوراتها»، وما حدث فى جلسة البرلمان العراقى يوم الخميس الماضى خير شاهد على النفق المظلم الذى أدخلت «العراقية» فيه نفسها، فقد رفض البرلمان رغبتها فى التصويت على قرار يرفع «الاجتثاث» عن بعض قادتها إيذانا بتسلمهم مناصب مهمة فى التشكيلة الحكومية القادمة قبل التصويت على المرشح لرئاسة الجمهورية، وقد أدى هذا إلى انسحاب أعضاء قائمة «العراقية» ــ وفى رواية أخرى معظم أعضائها، وفى رواية ثالثة أعضائها من السنة فحسب- من جلسة البرلمان، واحتدم الجدل السياسى مجددا وبدأ البحث عن حلول لأزمة جديدة.


ثمة دروس عديدة لما حدث فى جلسة البرلمان العراقى يوم الخميس الماضى، وأول هذه الدروس أن اللعب بالسياسة على النحو السابق بيانه يمكن أن يفضى إلى الانقسام، فما دام علاوى قد قبل الدخول فى بنية السلطة ما الذى يمنع بعضا من أعضاء قائمته من أن يقرروا البقاء فيها إن شاء الانسحاب لاحقا؟ صحيح أن الانقسام وارد فى كل الأحوال حتى ولو بقيت «العراقية» فى المعارضة، لكن علاوى كان يستطيع فى هذه الحالة أن ينعت المنسحبين من قائمته بالتراجع عن المشروع الوطنى الذى يحمله، أو حتى التخلى عنه.

غير أن الدرس الأهم يتعلق بهذا المشروع الوطنى تحديدا، لو كان المالكى طائفيا إلى النخاع كما كانوا يقولون، وكما بينت وثائق ويكيليكس الشهيرة، كيف يكون منطق العمل معه يدا بيد من أجل بناء عراق جديد؟ وهل تستطيع الأقلية التى سيمثلها علاوى وأنصاره فى الحكومة القادمة ــ إن تشكلت ــ أن تغير من توجهات الأغلبية؟ وهل يقبل علاوى أن يدخل فى حكومة أرسى أساسها بدور إيرانى واضح كما سبقت الإشارة؟ وهل يستقيم الحديث عن «ضمانات دولية» لقائمته فى بلد ما زال محتلا؟ فهذه الضمانات لا يمكن أن تكون إلا أمريكية، فهل تستحق المشاركة فى الحكومة إعطاء مزيد من الشرعية للغزو الأمريكى وتداعياته، خاصة بعدما تسرب أخيرا من وثائق دامغة فى إدانة سلطة الغزو؟

لا تبدو الأمور على هذا النحو فى طريقها إلى استقرار قريب. إذ لا يستريح المرء أولا للثمن الذى دُفع لعلاوى لإغرائه بالمشاركة فى الحكومة العراقية الجديدة، وأعنى به ما يسمى بـ«المجلس الوطنى للسياسات الاستراتيجية العليا»، فهذا المجلس وقبل أى شىء جسم غريب على أى نظام برلمانى، وطبيعته غير مفهومة حتى الآن، فما معنى أن يقال إنه سيكون مؤسسة تنفيذية؟ ولنفرض أنه قرر ما يخالف توجهات مجلس الوزراء، فكيف يكون الحال إلا أن يصبح بداية لصراع جديد؟ أما إذا صح ما يقال عن اشتراط موافقة البرلمان بأغلبية 80% على ما يقرره هذا المجلس كى يصبح ملزما فإن المعنى الوحيد لهذا هو أنه سوف يكون كيانا عاجزا.

وهناك ثانيا مشاورات التشكيل الوزارى القادم، والتى مُنحت شهرا آخر من عمر العراق، وما ينتظر أن تشهده من تعقيدات بالغة، ليس بين الكتل المتناحرة فحسب وإنما داخل بعض هذه الكتل أو كلها، ويكفى أن نتذكر أن للعراقية مطالبها ببعض الوزارات السيادية التى تبدو الاستجابة لها جميعا مستحيلة كوزارتى الخارجية والدفاع.

لقد كان المرء يتمنى أن تحمل التطورات الأخيرة ما يبشر بدولة العراق الجديد، كما صرح نورى المالكى، وليس مجرد التوصل إلى تشكيلة وزارية متوازنة، غير أن من الواضح أن اللعبة السياسية فى الساحة العراقية ما زالت تجرى فى الملعب القديم نفسه، واستنادا إلى القواعد البالية ذاتها، وليس فى هذا ما يبعث على أمل فى ميلاد عراق جديد، وإنما تبدو الأمور للأسف وكأنها توصلت إلى تشكيلات «قتالية» وليست «سياسية» تتحين أولى الفرص من أجل التشاحن والتطاحن ــ إن لم يكن الصراع ــ من جديد. وها نحن نرى نموذجا شديد الشبه فى طبيعته لما يجرى فى العراق مع خلاف مهم فى التفاصيل. ذلك هو النموذج اللبنانى القائم بدوره على المحاصصة الطائفية، فقد جرت الانتخابات البرلمانية وأعقبتها أزمة سياسية ممتدة انتهت إلى تشكيل حكومة «متوازنة»، لكن الخلاف المهم هنا عن الحالة العراقية أن المعارضة التى تمثل الأقلية البرلمانية فى لبنان لها أنياب «قتالية»، وهكذا استطاعت فى عدد من المنعطفات المهمة للسياسة اللبنانية أن تفرض إرادتها، وأخذنا على هذا النحو ننتقل من أزمة إلى أخرى حتى وصلنا إلى الأزمة الأخيرة الخاصة بالمحكمة الدولية المكلفة بملف اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى، وشرعية هذه المحكمة، والموقف الواجب إزاءها، وهى أزمة تفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات، وليس هذا بالتأكيد هو المستقبل الذى يستحقه العراق.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية