الفرص الاقتصادية وراء تمكين الشباب العربى - قضايا شبابية - بوابة الشروق
السبت 7 يونيو 2025 10:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الفرص الاقتصادية وراء تمكين الشباب العربى

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2016 - 11:31 م
بعد خمس سنوات من أول انتفاضة فيما يسمى «الربيع العربى» فى تونس، أصبح لدينا إدراك ودروس مستفادة يمكن الرجوع إليها. حيث يمكننا أن نحدد بشكل يقينى نسبيا، مختلف العناصر التى ساهمت فى الثورات ومدى تأثيرها. خمس سنوات، ونحن فى صراع ما بين الآثار الملهمة وأخرى مفجعة فى ثورات كل من سوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن. لكن من المؤكد أن هناك عنصرا حاسما قاد الاحتجاجات، وكثيرا ما ذكر فى الأيام الأولى ولكن أصبح فيما بعد حديثا هامشيا، هو شريحة الشباب فى هذه البلدان.

لسنوات عديدة سبقت أحداث يناير 2011، حذر الباحثون من مخاطر تضخم أعداد الشباب فى العالم العربى. خاصة أن العديد منهم كان ينظر لنسبة الشباب المرتفعة بشكل غير متناسب مع باقى قطاعات المجتمع على أنها قنبلة موقوتة. عانى سكان المناطق الحضرية أو ما يعرف بالمدن بشكل خاص من آثار انخفاض الأجور وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية. دفعت هذه العوامل مجتمعة بالشاب محمد البوعزيزى فى منطقة سيدى بوزيد إلى إشعال النار فى نفسه وسط سوق مزدحم.

كان البوعزيزى شاب عصامى، يعمل فى القطاع غير الرسمى، لكنه شعر بالإحباط بسبب العوائق التى تحول دون إضفاء الطابع الرسمى على عمله مما اضطره للتعامل مع مسئولين فاسدين. فى النهاية، لم يكن أمامه سوى خيار الخيار الوحيد والأصعب ــ وهو الانتحار. وعلى الرغم من إصابته البالغة والتى أدت إلى وفاته، أصبح بائع فاكهة، البوعزيزى رمزا للثورة التونسية، وفيما بعد أضحى رمزا لحركات الاحتجاج وأعمال الشغب الأخرى التى هزت العالم العربى فى الأشهر التى تلت وفاته.

***
حاليا، يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، يزيد على 30 فى المائة من سكان العالم العربى – أى نحو 300 مليون نسمة. وهذه أعلى نسبة من الشباب إلى الكبار تسجل فى تاريخ المنطقة، ناهيك عن الكم الكبير من الفرص المهدرة وغير المستغلة من الأنشطة الاقتصادية. تسجل الشركات الناشئة منحى متصاعدا فى الشرق الأوسط، ويقوم الشباب بتولى زمام القيادة فى هذه الشركات. لقد بدأ المستثمرون الغربيون بالفعل بالتنبه لذلك، فعلى سبيل المثال، أنشأت شركة Google أول مركز تكنولوجيا عربى للعصامين فى منطقة الشرق الأوسط فى دبى، وهناك العشرات من مراكز بدء التشغيل الأخرى التى أنشئت فى بيروت والقاهرة إلى الرياض وأربيل وعمان. قبل بضعة أسابيع دشنت 500 شركة ناشئة صندوق التكنولوجيا فى الشرق الأوسط بهدف توفير رأس المال والتمويل للمشاريع الناشئة وتسريعها برأس مال وصل إلى 30 مليون دولار أمريكى.

وسط كل الاضطرابات فى المنطقة، نجد أن الشباب العربى يسعى إلى الدخول فى أشكال جديدة ومبتكرة للعصامية والمشاريع الاقتصادية. ففى هذه المنطقة التى تتسم غالبا بالشريط البيروقراطى الأحمر، وانعدام البنى التحتية التجارية الرسمية، وضعف الإدارة، يسعى الشباب بالمقابل إلى خلق فرص لأنفسهم، وشق طرق للنجاح الاقتصادى المستقبلى فى المنطقة.

فى دوائر السياسة الخارجية، شكل عدد الشباب المتضخم فى العالم العربى مخاوف حقيقية. ففى الوقت الذى ترتفع فيه نسبة الشبان العاطلين عن العمل فى المراكز الحضرية نجد أن جاذبية الجماعات المتطرفة مثل داعش، والتى تقدم الوعود بتوفير مورد لائق وثابت ومصدر متماسك للهوية، يقوى ويتنامى. هذا التوجه بالتالى، يغرق المنطقة فى حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار – ويهدد الإمكانات الاقتصادية الكامنة للسكان من الشباب فى العالم العربى بالعديد من المخاطر.

بدلا من النظر للشباب فقط كمشكلة وعبء، يتعين على صناع القرار فى كل من المنطقة وخارجها، البدء فى فهم كيفية توظيف هذه المجموعة السكانية المتزايدة فى بناء اقتصادات أكثر ديناميكية وشمولية. تناولت الباحثة بسمة المومنى بالفعل هذا الموضوع فى كتابها الذى صدر أخيرا «الفجر العربى: الشباب العربى والتوزع الديموغرافى الذى سوف يجلبونه». تتحدث المومنى عن وجود «تغيير جوهرى فى الأجيال»، حيث يفضل الشباب العربى التوجه نحو العصامية، الحرية السياسية، والانفتاح على الكون.

***
يمكن الاستفادة من هذه التطلعات لزيادة قدرة أصحاب المشاريع الفردية، وتعزيز التنظيم الجماعى والمناصرة، وتسهيل التغيير المؤسسى بطريقة تؤدى لوضع إجراءات ناظمة للأعمال. أظهرت دراسة حديثة لشركة «أرنست ويونغ» بعد إجراء مسح على فرص إيجاد العمل وريادة الأعمال عالميا، أن خمس هؤلاء يريدون المشاركة بإحداث تغييرات اجتماعية بشكل إيجابى. وهذا ينطبق على 20 فى المائة من مجمل رواد الأعمال، وفى هذه المنطقة من العالم، حيث يشكل الشباب الشريحة الأوسع، فإن نسبة 20 فى المائة قادرة على إحداث فرق هائل على أرض الواقع.

غالبا ما يقوم القطاع الخاص بملء الفراغ فى المواقع حيث تفشل الحكومات. والآن، وأكثر من أى وقت مضى يسعى الشباب لمعالجة الأمور بأيديهم. صغار السن وهؤلاء الذين يملكون روح المبادرة ما عادوا بانتظار الاقتصاد ليلتفت إليهم، أو الوظائف لتأتى إليهم. هم يتجهون إلى التعلم الذاتى، والتعاون، وحل المشكلات المحلية من خلال إنشاء مشاريعهم الخاصة. أصبح الشباب قادرا على خلق فرص العمل بالاعتماد على العصامية، وعلى الرغم من أن العصامية لا تحفز على خلق فرص العمل بشكل فورى وعلى نطاق واسع، إلا أنه وعلى المستوى الفردى يعتبر عنصرا حاسما فى إيجاد البيئة المواتية لقيام الشركات الصغيرة والتى من الممكن أن تتطور فيما بعد لتصبح شركات كبيرة.

لا يعتبر تعزيز روح المبادرة فى الوقت الحاضر من أولويات المعنيين وأصحاب المصالح فى العالم العربى. القطاع الخاص، فى كثير من الحالات، أيضا يتطلع نحو المستقبل. فمن المحتمل أن يتغير الوضع جذريا فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى عشرين عاما القادمة على جميع الأصعدة ــ اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وربما حتى جغرافيا ــ مما هو عليه اليوم. وبالتالى، فمن الضرورى لمنظمات المجتمع المدنى وجميع تلك الجهات التى تستثمر فى مستقبل المنطقة البدء فى زرع بذور التغيير منذ اليوم. فمثلا هناك منظمة تعتبر ذلك من أولوياتها وهى المنتدى الاقتصادى السورى.

ففى أقل من خمس سنوات، أصبحت هذه المؤسسة الصوت المعبر عن القطاع الخاص السورى عبر سياساتها ومبادرات المناصرة للمجتمع السورى فى الداخل وفى بلاد الاغتراب. حيث تعمل المنظمة بشكل استباقى لبناء مجتمع ما بعد الصراع وتجهيز الشباب السورى بالأدوات والمعرفة التى ستكون ضرورية لإعادة بناء بلدهم.

من خلال سلسلة من النماذج على القيادة الأخلاقية، واتخاذ القرارات، وتسوية النزاعات، والتواصل الفعال، وإدارة الوقت، وتطوير الأعمال، يعمل المنتدى بشكل مباشر مع الشباب وغيرهم من السوريين، لتعزيز روح المبادرة ووضع حجر الأساس للديناميكية الاقتصادية الحالية والمستقبلية.

إن التنمية المستدامة تتواجد جنبا إلى جنب مع النشاط الاقتصادى. وعليه فإن العالم العربى سيقفد هذا النوع من الفرص الديناميكية إذا لم نستطع الاستفادة من تضخم نسبة الشباب التى تراكمت على مدى العقود الماضية، واستخدامه بمثابة فرصة لخلق الفضاء الحقيقى للريادة. تقاس نمو الاقتصادات بشكل عام من خلال نمو الشركات، ومن دون إفساح المجال للمشاريع الجديدة الصغيرة والمتوسطة والمشاريع التجارية للتواجد فى السوق، فإن قدرة العالم العربى على المنافسة فى عالم تسوده العولمة سوف تبقى محدودة بالنسبة لإمكاناته. لذلك وجود منظمات مثل المنتدى الاقتصادى السورى تعمل على هذه الديناميكية وتقود بشكل واسع عملية تعزيز الفرص الواقعية لريادة الأعمال بين الشباب داخل وخارج البلاد على حد سواء، يعتبر من المؤشرات الجيدة.
 كيت موران

مساعدة برنامج شمال إفريقيا والشرق الأوسط فى مركز المشروعات الدولية الخاصة.

ينشر بالاتفاق مع مجلة الفنار للإعلام
التعليقات