عن سؤال الكتابة والقراءة والإبداع - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن سؤال الكتابة والقراءة والإبداع

نشر فى : الجمعة 21 أكتوبر 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الجمعة 21 أكتوبر 2016 - 9:55 م
من بين الانشغالات المزمنة، الدائمة، المتواصلة، للمتصلين بالأدب والنقد، تكرار السؤال حول طبيعة الانتقال بين القراءة والكتابة والعكس. مفهوم أن القراءة والكتابة هنا بمعناهما الثقافى وليس المدرسى؛ القراءة بوصفها نشاطا وممارسة معرفية تنمو وتتراكم عبر الزمن، والكتابة بوصفها نشاطا إبداعيا موازيا، ودائما ما يحضرنى فى هذا السياق، وفى هذا البحث عن فهم وتحليل عميق لطبيعة النشاطين «القراءة» و«الكتابة»، والعلاقة التى تربط بينهما وتجمعهما، ما كتبه أستاذنا الناقد الجليل شكرى عياد.

كان المرحوم شكرى عياد من القلة التى ظلت عمرها كله تعيد النظر والتأمل فى هذه المسألة، وأنتج فى هذا السياق تأملات وتنظيرات معتبرة جديرة بالقراءة والنظر؛ لأنها قامت على استقراء عميق لتجليات الإبداع الأدبى فى الثقافتين العربية والغربية من ناحية، وعلى تأمل فلسفى عميق لإشكالية القراءة/ الكتابة من ناحية أخرى.

كان شكرى عياد يرى أن الذين يتنقلون بين عمليتى القراءة والكتابة (اتفقنا هنا أننا نتحدث عن القراءة والكتابة بمفهومهما الثقافى الإبداعى الأدبى، بوصفهما ممارسة وفعالية معرفية فى دائرة الإنتاج الثقافى) هم قلة من الناس، وكان يرى أن الكتابة والقراءة لا تختلفان كثيرا عن ثنائية (الكلام/ الإنصات).

من الناس من يميلون إلى الكلام، ومنهم من يميلون إلى الإنصات، والغالب أن أحسن المتكلمين هم من يحسنون الإنصات، (والعكس صحيح طبعا)، فأقل الناس قدرة على التعبير وحسن الكلام أقلهم فهما وإنصاتا لما يقال.

وقياسا على ذلك، فإن أحسن الكتاب على مر العصور هم أحسن القراء وأفضلهم فى الأساس، وبديهى أن العكس أيضا صحيح.

الكتابة والقراءة، كلتاهما إذن، وكما يوضح أستاذنا شكرى عياد، نشاط بشرى يراه عياد «كمالا بشريا»، والسؤال: هل يمكننا أن نصنع شيئا بالكتابة يهم الكتاب الذين هم فى الأساس أيضا قراء، كما يهم القراء الذين هم أيضا كتاب؟ الإجابة، أو على وجه الدقة أحد الفروض المحتملة لإجابة السؤال، قديمة وشهيرة، فالكاتب إما أن يكتب كى «يفيد»، وإما كى «يمتع». ومن قديم ارتأى كتاب وفلاسفة ومفكرون الجمع بين الاثنين، فتتحقق «الفائدة» و«المتعة» معا.

على مدى التاريخ، وعبر آلاف النصوص الدينية والفلسفية والشعرية والأدبية المحضة، بدا أن هذه التجارب كلها أو معظمها كانت تميل إلى تغليب أحد طرفى المعادلة على الآخر. من هنا صارت القاعدة فى ما يخص الكتابة الأدبية، أن تكون الكتابة للإمتاع.

لكن يظل السؤال (حتى وإن بدا غريبا فى وقتنا هذا) هل يمكننا بالكتابة أن نصنع شيئا؟ هل الكتابة يمكن أن تغير أو تساهم فى تغيير أوضاع قائمة أو تمهد لاستقبال أوضاع وأنماط من الحياة يطمح إليها هؤلاء الكتاب ويبشرون بها؟

الحقيقة، إن هذا ما صنعه الكتاب دائما، وما زالوا يصنعونه، يقول شكرى عياد، إن أساتذة الجامعات يؤلفون الكتب ليفيدوا طلابهم علما ومعرفة، لكن وبما أن الكتابة هنا قد ارتبطت غالبا بالغرض الثانى وهو «الإمتاع»، فإن هذه القلة لا يقاس عليها، كما لا يقاس أيضا على القلة الأخرى التى تستطيع أن تنفذ إلى وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة «السوشيال ميديا بأنواعها مثلا»، أو كذلك القلة الأخرى التى تحصل على الجوائز عن طريق إرضاء النقاد.

فالكتابة عند هاتين الفئتين، وإن كانت نظريا كتابة فنية يقصد بها الإمتاع، فهى خاضعة فى النهاية، لتوجيهات تفرض عليهم من الخارج، وتبقى الكثرة الغالبة ممن يكتبون ويقرأون يسألون أنفسهم السؤال الملح: هل يمكننا بالكتابة أن نصنع شيئا؟ إنه سؤال غريب وصعب ومزعج، ومؤلم أيضا، وربما كان مبهما بالأساس! فلأننا تركنا هذا الشىء الذى نتساءل عن إمكان صنعه بالكتابة تركناه دون تعريف أو تخصيص.

فإذا كانت الكتابة المقصودة بالسؤال خارجة عن إطار الكتابة العلمية التى يضطر الطلاب إلى قراءتها بل إلى استظهارها من أجل اجتياز الامتحانات والاستعداد لكسب القوت بعد التخرج.. وإذا كانت الكتابة القائمة بذاتها التى نسميها بالكتابة الفنية/ الإبداعية الخالصة، ونصفها بأن الغرض منها هو المتعة المجردة، أو تذوق الجمال الفنى والأدبى الخالص، قد أصبحت أكثر من أى وقت مضى غير قادرة على تقوم بذاتها فأى شىء بقى أمامنا حتى نصنعه بهذه الكتابة؟

سنحاول أن نرى ألوانا من البحث عن إجابات لهذا السؤال فى ما هو قادم، إن شاء الله.