حكومة «الرد بالمعروف» - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكومة «الرد بالمعروف»

نشر فى : الأحد 24 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 24 مارس 2013 - 8:00 ص

كانت مبادرة الدكتور على لطفى رئيس الوزراء الأسبق، بفتح حساب فى البنك المركزى، ليضع فيه كل مواطن قيمة الدعم الذى حصل عليه بدون وجه حق، كانت ستمر، مثلها مثل غيرها من المبادرات  اعتدنا عليها، ولم نعد نعيرها اهتماما. لولا أن وزير المالية الدكتور المرسى حجازى تلقفها، وأثنى عليها، بل وأخذها على محمل الجد. وأعلن عن رقم الحساب، الذى على كل المواطنين الشرفاء، أن يضعوا فيه المال الذى نهبوه بحسن نيه، وذلك بعد أن يستيقظ ضمير بعضهم ذات صباح.

 

إذن رد الأموال المنهوبة من الدعم سيكون بالمعروف، طبقا لسياسة وزارة المالية المعلنة، والمؤكدة بحساب بنكى رقم 25/1/2011. خاصة وأنه طبقًا لما جاء فى المبادرة، فإن المخاطبين بها هم المصريون «الذين يتحلون بحب خارق لوطنهم». وهذا معناه أن الأجانب الذين حصلوا على دعم بدون وجه حق، والذين بالتأكيد لا يحملون حبًا خارقًا لمصر، غير مخاطبين بهذه المبادرة الحميدة.

 

•••

 

 ومادام الأمر كله ود فى ود، فلماذا لا يحاول السيد وزير المالية أن يعمم المبادرة ويجعلها موجهه إلى كل من حصل على أموال، ليست من حقه. وليس الأمر صعبًا فما على الوزير وطاقمه ، إلا أن يرسلوا خطابات ودية مفعمة بكلمات مؤثرة عاطفيًا تستحلف سارق المال العام أن يرد المال المسروق من الدولة طواعيًة. ولا بأس لو ذكرته الوزارة أيضًا، بما يمكن أن يعود على صحته وعافيته، من التخلص من المال الحرام.

 

فإذا قررت مثلًا الحكومة أن تستعيد ملايين الجنيهات، التى حصل عليها أصحاب الحظوة، الذين تم اختيارهم لتمثيل المال العام فى الشركات، والمؤسسات التى تساهم فيها الدولة. والتى تركتها الحكومة لسنوات طويلة، فى جيب هؤلاء الموظفين طواعيًة. بالرغم من أن القانون رقم 85 لعام 1983 ينص على أن الأموال التى يحصل عليها الموظف، الذى يمثل المال العام، سواء كانت أرباحًا، أو مكافأة، أو مرتبات، لا تخصه بصفة شخصية، ولكن تعود إلى الدولة. إذا أرادت الوزارة، فالأمر لن يكلف الوزارة كثيرا. فبنظرة واحدة على ميزانيات الشركات التى تنشر أرباحها، والتى يتم توزيعها على أعضاء مجلس الإدارة، ومنهم الموظفون المحظوظون بالطبع، كافية لمعرفة حجم الملايين الضائعة، فى جيوب بعض المصريين. وإذا لم يكن لدى المسؤولين فى الوزارة، وقتًا يضيعونه فى رصد تلك الأموال، فما عليهم إلا أن يقرأوا ذلك الجزء المنشور، فى ذيل عدد كبير من ميزانيات الشركات، على لسان جهاز المحاسبات «تم صرف مكافأة توزيعات الأرباح لممثلى المال العام، بصفة شخصية لهم، بالمخالفة للقانون». وإذا كانت شركة واحدة فقط، قد أعلنت منذ أيام عن توزيعات أرباح قدرها 905 ملايين جنيه، فكم حصل عليه ممثلو المال العام، من ملايين فى بقية الشركات؟. ما على الوزارة إلا أن ترسل مندوبًا من لديها، إلى منازل هؤلاء، تطالبهم برد الأموال بالحسنى. فإذا لم يوافقوا فتتركهم لضمائرهم.

 

•••

 

وإذا كانت الوزارة تتعاطف مع ممثلى المال العام، من موظفى الدولة، خاصة أن اختيارهم يفتح باب الرزق واسعًا لذوى القربى من الوزراء، وكبار المسئولين من أهل الحكم. فلا تعير هذه الملايين بالًا وتتغاضى عنها. فماذا عن دعم الطاقة الذى حصلت عليه مئات الشركات، والذى وصل إلى مليارات الجنيهات، فى الوقت الذى تصدر فيه هذه الشركات منتجاتها للسوق الخارجى، محققة أرباحًا طائلة من دعم مسروق طواعية من الحكومة. ويكفى دليلًا على ذلك أن هناك عددا من شركات الأسمدة يرفض حتى الآن توريد الحصص المقررة على تلك الشركات لصالح الدولة لسد احتياجات الزراعة.. وذلك فى الوقت الذى تصدر فيه شركات الأسمدة انتاجها للخارج، مستفيدة من فروق الأسعار بين السعر المدعم، وبين السعر العالمى، والذى يزيد حاليا عن 1000 جنيه فى الطن الواحد.

 

وقد وصلت قيمة صادرات تلك الشركات إلى 850 مليون دولار خلال العام الماضى. فى الوقت الذى يعانى فيه المزارعون من نقص قد يهدد الزراعة فى موسم الصيف المقبل. وهو ما سيضطر الحكومة إلى استيراد أسمدة من الخارج، بأسعار تزيد عن ضعف السعر المحلى. مما يزيد من بند الدعم فى موازنة الدولة.

 

وإذا كانت وزارة المالية شاهدة طوال السنوات الماضية، على حجم الأموال التى فقدتها الموازنة، من جراء الإعفاءات الجمركية والضرائبية، بجانب دعم الطاقة السخى، الذى حصلت عليه الشركات فى المناطق الحرة، فى مقابل المساهمة فى زيادة الصادرات. فهل لدى السادة المسئولين عن دعم مبادرة وزارة المالية «ادفع لى شكرا» هذه، الوقت لكى يراجع، صادرات المناطق الحرة الذى خسرت بسببها الموازنة المليارات؟

 

واختصارا لوقت السادة المسئولين أستطيع أن اؤكد (على مسئولية البنك المركزى) أن هذه المناطق الحرة، قد زادت وارداتها عن صادراتها طوال السنوات الماضية. وفى العام الماضى وحده، استوردت هذه المناطق بحوالى 5.2 مليار دولار، بينما لم تزد صادراتها للخارج على 3.9 مليار دولار.

 

•••

 

وإمعانا فى مساندة مبادرة (ذوى القلوب الرحيمة) التى تفخر بها وزارة المالية وتزين بها موقعها الإلكترونى، فأننا نسهم معها بتقديم حالة من حالات السفه فى الدعم والتى تتعلق باتفاقية الكويز(المناطق الصناعية المؤهلة). وهى الاتفاقية التى تتيح للشركات المصرية، التى تعمل طبقا لبنودها، التصدير للولايات المتحدة الأمريكية، بدون أى جمارك. بشرط استيراد منتجات إسرائيلية لا تقل عن 10.5% من المنتج المصدر. فإنه بحسبة بسيطة، يكون قد دخل جيوب المصريين فى هذه الشركات من دعم صادرات من موازنة الدولة مليارات لا يستحقونها، بحكم أنهم يصدرون منتجات لا يشترط فيها سوى 35% من مدخلات مصرية فقط. أى أن صادرات هذه الشركات، يمكن أن تعتمد على ما يزيد عن نصف المنتج، من دول أخرى إلى جانب أنها تدخل السوق الأمريكى بدون أى عوائق تعترضها.

 

ومع ذلك فإن هذه الشركات المحملة منتجاتها بالنكهة الإسرائيلية، تحصل على دعم وصل فى عام واحد لما يزيد عن 600 مليون جنيه. فى حين أن صافى صادرات «السادة الكويزيين» لأمريكا بعد استبعاد الواردات الداخلة من إسرائيل، لم يزد على 4 مليارات دولار خلال السبع سنوات الماضية من (2005 إلى 2011). بما يعنى أنهم صدروا فى المتوسط 666 مليون دولار فى العام، مدعومين بحوالى 600 مليون جنيه دعم من موازنة الدولة.

 

•••

 

وبعيدًا عن مسئولى مبادرة «رد لى شكرا»، نقول إن الحصول على الحقوق لن يأتى، إلا إذا كانت الحكومة لديها الإرادة السياسية، لوضع القوانين التى تقف ضد تسرب الأموال إلى غير مستحقيها. الحقوق ستأتى عندما تمنع الحكومة الشركات التى نهبت الدعم لسنوات، من تصدير أى منتج يحتاجه السوق المحلى، بل وتعاقبها إن فعلت.

 

الحقوق ستأتى لأصحابها عندما يقف دعم الصادرات لمنتجات يدخل فيها المكون الأجنبى بما يزيد عن نصف المنتج ذاته، وكأننا ندعم الأجانب عن طيب خاطر.  بينما نحرم الفلاح من دعم لزراعته. ويخرج بعد موسم كامل من هد الحيل إلى ما يكاد يسد به رمق أسرته. الحقوق ستعود عندما تكون المزايا والتسهيلات التى تمنح لرجال الأعمال مرهونة بما يحققه هؤلاء من تلبية لاحتياجات الناس المعيشية ولا تأتى على حساب المستحقين من الأطفال لوجبة مدرسية تعالجهم من الأنيميا، أو على حساب الأطباء الذى يعملون فى أقصى الصعيد أو فى سيناء ولا يحصلون على بدل يقيهم شر غربتهم فى المناطق النائية. أو المستحقين من المدرسين فى المدارس الحكومية الذين يطالبون مخصصات لبند الملابس المهندمة، تمنع عنهم أحاديث الطلبة غير المهذبة، فلا تجد لهم الحكومة بندا فى الموازنة. أو غيرهم، وغيرهم من المستحقين للسكن وللمأوى، وللانتقال الآدمى من أهل هذا الوطن والذين حرموا من حقوقهم، التى استباحها مصريون «يحبون مصر حبًا خارقا» طبقا لأدبيات الحكومة الحالية.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات