الدين والعلم.. صراع أم توافق؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدين والعلم.. صراع أم توافق؟

نشر فى : السبت 26 يناير 2019 - 1:05 ص | آخر تحديث : السبت 26 يناير 2019 - 1:05 ص

يقسم العلماء التاريخ الإنسانى إلى ثلاث حقب، الأولى: لا يعرفون بدايتها بالضبط وهى الفترة منذ الوعى الإنسانى إلى العالم كما هو فى الواقع وليس كما يتمناه، ففى رحلة الطفولة يعيش الطفل حياة كما يتمناها بمعنى كل طلباته مجابة، لكن فى اللحظة التى يعرف أن عليه أن يجاهد ويتعب ويقف أمام مصاعب الحياة يرى العالم كما هو فى الواقع. الإنسان عاش مرحلة الطفولة عندما اعتبر أن الزلازل والأعاصير والفيضانات خلقتها أرواح وإذا قدم لها الذبائح ستنتهى لكن عندما وجدها تتكرر بانتظام تأكد أن الأمر مختلف ويجب أن يواجه هذه الأمور بطريقة واقعية فبدأ فى بناء السدود أيام الفيضانات وتحصين الكوخ الذى يعيش فيه.. وهكذا من هنا بدأت الحضارة القديمة ترتقى حتى وصلت القمة فى القرن الخامس الميلادى فقد كانت هذه القرون الخمسة هى قمة التفكير العلمى والفلسفى واللاهوتى للعصور القديمة حيث اعتبرت الإسكندرية عاصمة العالم الفكرى من خلال مكتبتها العظيمة وسلة الخبز للإمبراطورية الرومانية، وكان بطاركة الكنيسة المصرية يختارون من فلاسفة مدرسة الإسكندرية، وكل ذلك انتهى بأمرين فى منتهى السوء الأول انقسام الكنيسة عام 451 م فى مجمع خلقيدونية، والآخر حريق مدرسة الإسكندرية، ما أدى إلى تدن شديد فى الفكر اللاهوتى نظرا للصراع بين الكنيستين البيزنطية والمصرية من ناحية، والصراع بين الكنيسة المصرية والفلاسفة الذين لا يؤمنون بالمسيحية من الناحية الأخرى، مثل الفيلسوفة هيباتيا التى صدر الأمر من الكنيسة بتكفيرها، فأدى ذلك إلى سحلها فى شوارع الإسكندرية حتى الموت. وقامت الكنيسة فى ذلك الوقت بتهجير اليهود من الإسكندرية وهدم وحرق المعابد الوثنية والمراكز الثقافية مثل السرابيوم، وتم تحويلها إلى كنائس ومراكز مسيحية. هذا الانهيار هيأ البلاد لدخول الإسلام فى القرن السابع.
***
أما الحقبة الثانية بحسب المؤرخين العلماء فتبدأ من القرن السادس حتى القرن السادس عشر وتختلف العصور الوسطى فى أوروبا عنها فى العالم الإسلامى، فهى وإن كانت فترة زمنية واحدة إلا أنه كان هناك تفاوت عظيم فى التفكير العلمى بين هاتين المنطقتين من العالم، فقد وصل العالم الإسلامى إلى قمته فى القرون الوسطى بينما وصلت أوروبا إلى الحضيض. من هنا نقول على مدى هذه الحقب كان هناك صراع بين العلم والتفكير العلمى من ناحية، وبين كهنة الدين بشكل عام والذين يعيدون كل الاكتشافات والعلوم إلى الكتب المقدسة، لذلك علينا أن نفرق بين العلم والدين، هل هما خطان متوازيان لا يلتقيان، أم أنه صراع يفوز فيه واحد على آخر فى حقبة والآخر يفوز على الأول فى حقبة أخرى مثلما حدث فى القرون الوسطى؟. كانت الكنيسة مسيطرة بالدين على كل شئون الحياة فأحرقت العلماء ورفضت الاكتشافات العلمية مثل كروية الأرض ووجود كواكب أخرى غير الأرض فى الكون.. إلخ وجاء عصر النقد العالى بعد الإصلاح وسيطر العلم وحلل الكتب المقدسة علميا وأخرجوا من الكتاب أخطاء علمية ورفضوا المعجزات.. إلخ, وصار هناك ما يسمى الصراع بين مسيح الإيمان ومسيح التاريخ. ظهرت مدرسة أخرى تتحدث عن أن الدين والعلم خطان متوازيان لا يلتقيان ومدرسة رابعة تتحدث أنه يجب أن يكون هناك تفاعل بين العلم والدين.
***
استمرت هذه المدارس حتى ظهر كتاب «مقدس وعلمانى» ( 2013 ) لبيبا نوريس ورونالد إنجلهارت، حيث أثبتا أن الغرب الحديث يتقدم فى العلوم والتكنولوجيا، بالترافق مع تدين واضح فى مجتمعاته، خصوصا الولايات المتحدة.
ومن يتابع ذلك النقاش، يرى أن ما ذهب إليه نوريس وإنجلهارت ينطبق خصوصا على المجتمع العلمى فى الغرب، ما يثير سؤالا عن سبب اندفاع مجموعة كبيرة من علماء القرن الـ 21، صوب التدين، وبعبارة أخرى، ما هى تلك الاكتشافات التى حيرت عقول العلماء منذ بدايات القرن العشرين، وجعلتهم يعيدون التفكير بأصل الكون؟
هناك ثلاثة اكتشافات حديثة فى علمى الفلك والبيولوجيا الجزيئية جعلت العلماء ــ مؤمنين وغير مؤمنين أساسا ــ يستحضرون الله فى سياق شرح أصل الكون والحياة. تتمثل تلك الاكتشافات فى التثبت من وجود بداية للكون، وعدم قدم الحياة على الأرض نسبيا، والمكتشفات المتعلقة بالجينات.
فقد بات العلماء على يقين من أنه، من أجل أن يتشكل هذا الكون ويتطور إلى مرتبة الحياة والذكاء، فإن قوة الجاذبية وقوى الطبيعة الأخرى كان عليها أن تكون ما هى عليه تماما، وإلا فلا كون ولا حياة. ولو أن تمدد الكون كان أبطأ قليلا، لتمكنت قوى الجاذبية الكونية من الإمساك بالمادة ومنعتها من التشكل على هيئة نجوم وكواكب وأقمار وغيرها .لا يدور الحديث عن بطء فى تمدد الكون بنسبة 1 فى المائة أو 2 فى المائة».
يقول ستيفن هوكينغ «أن تباطؤ بجزء من مائة مليون بليون من الثانية بعد الـ«بيغ بانغ» الانفجار العظيم الذى حدث نتيجة انفجار فى الشمس أدى إلى انفصال كتله هائلة منها بردت على مدى ملايين السنين كانت كفيلة بألا يتشكل الكون كليا!
فى المقابل، فمن أجل أن تتشكل الحياة على الأرض، كان على النظام الشمسى وكوكب الأرض أن يتمتعا بشروط دقيقة، وإلا لا تظهر الأشكال الحية أبدا.
ومن البديهى القول أيضا، إنه لا يمكن لمعظم الكائنات الحية العيش من دون غلاف جوى يحتوى الأكسجين، وهو أساسى أيضا لتشكل الماء الذى هو أساس الحياة على الأرض. وهناك عناصر أخرى كالهيدروجين والنيتروجين والصوديوم والكربون والكالسيوم والفسفور أيضا ضرورية للحياة.
وإضافة إلى تلك العناصر، هناك عناصر أخرى ضرورية لظهور الحياة على الأرض كحجم الكوكب الأزرق وحرارته، وقربه من الشمس، وتركيبته كيماويا، ووجود القمر وغيرها. وهناك عشرات الشروط الأخرى الضرورية لإتمام عملية تشكل الحياة على الكوكب الأزرق.
***
فى الغالب، يتوقع العلماء المؤمنون بالله هذه الدقة فى صناعة الكون، ولكن الملحدين واللا دينيين غير قادرين على شرح كل تلك الأمور عبر مبدأ المصادفة، بل تكرار الصدف النادرة! وفى ذلك السياق، لاحظ ستيفن هوكينغ، وهو عالم بريطانى ملحد، أن الأمر المثير للملاحظة، هو أن قيمة تلك الأرقام «تبدو منتقاه بدقة متناهية من أجل أن يصبح تطور الحياة ممكنا فى هذا الكون»، وهكذا نرى أنه فى ظل تدفق هائل للاكتشافات العلمية تبقى هناك حقيقة واضحة يصعب غض النظر عنها تتمثل فى عدم قدرة العلم على التوصل إلى جواب مقنع عن سبب وجود الكون ومسببه، وهكذا اتفق عدة علماء على استنتاج يقول «عندما نشرح تمدد الكون يستطيع القارئ أن يفكر فيما قبل التمدد. وفى ظل غياب تفسير لذلك الأمر لا يكون المشهد مكتملا» وقد أعرب بعض علماء الفلك أخيرا عن اعتقادهم بأن شيئا كحدوث انفجار نووى كونى يستولد الحياة لابد من أن يكون أمرا مصمما بدقة متناهية وقد استخدم بعض من هؤلاء العلماء مصطلحات تعبر عن تلك القناعة مثل «الذكاء الأعلى» «الكائن الأعلى» «المهندس الأكبر».
وهكذا نستطيع أن نجمع دينا متحررا من الخرافة مع علم منفتح لكل الاحتمالات. والسؤال ماذا عن عالمنا الثالث.. هل لديه استعداد أن يتخلص من الخرافات الدينية ويتبنى نظريات علمية مدققة؟!!.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات