مقاومة نفوذ واشنطن بعيدا عن بكين.. من الهند إلى البرازيل - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مقاومة نفوذ واشنطن بعيدا عن بكين.. من الهند إلى البرازيل

نشر فى : الجمعة 30 يونيو 2023 - 7:10 م | آخر تحديث : الجمعة 30 يونيو 2023 - 7:10 م

سياسيا وأمنيا كما تجاريا وتكنولوجيا وعسكريا، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية نظاما عالميا تتواصل تحولاته ولم تعد من مسلماته نجاح القوة العظمى فى فرض إرادتها على الآخرين إن قوى دولية أو قوى إقليمية.
قبل أيام، وكما أشرت السبت الماضى فى هذه المساحة، احتفت واشنطن برئيس الوزراء الهندى ومرافقيه رغبة منها فى دفع نيودلهى إلى تأييد ومساندة جهود احتواء دور ونفوذ بكين المتزايد فى القارة الآسيوية وفى المحيطين الهادى والهندى وبالتبعية حصارها عالميا. غير أن سخاء العروض الأمريكية وشمولها لكافة جوانب التعاون العسكرى والتكنولوجى والتجارى والأمنى والسياسى لم يقنع الهند لا بالتورط فى مواجهة مع عملاق آسيوى يجاورها ويتفوق عليها فى القوة والقدرات ولها معه مصالح مشتركة مثلما تنافسه فى مجالات بالغة الأهمية الاستراتيجية (التكنولوجيا وعلوم الفضاء والذكاء الاصطناعى)، ولا بالاندراج فى تحالفات عالمية وإقليمية تنظمها الولايات المتحدة وتشارك بها آسيويا اليابان وأستراليا ونيوزيلندا ولا تستهدف غير حصار الصين وتخاطر من ثم بتهديد أمن القارة الأكثر كثافة سكانية فى عالمنا وأمن المحيطين الأكبر فى كوكبنا.
جال ناريندرا مودى على المؤسسات التنفيذية والتشريعية الأمريكية، اجتمع مع ممثلين لمجتمع الأعمال والمصارف المالية وكبريات شركات التكنولوجيا وممثلين للإعلام والمراكز البحثية وجماعات الضغط المختلفة، نظم خلال أيام زيارته عديد الفعاليات السياسية والفنية، وفى نهاية المطاف جاءت إشارات رئيس الوزراء الهندى ومرافقيه بالغة الوضوح بكون بلادهم ترحب بتطوير شراكتها الشاملة مع الولايات المتحدة وترفض فى ذات الوقت التورط فى مواجهات وصراعات وتحالفات ليس لها أن تخدم مصالح القوة الآسيوية الصاعدة التى تريد «صفر صراعات» إقليمية ودولية من حولها وهى تبنى قدراتها الشاملة.
• • •
أوروبيا، تمارس الولايات المتحدة فى الفترة الراهنة ضغوطا متصاعدة على حلفائها فى غرب ووسط وشرق القارة العجوز لتشديد العقوبات التجارية والمالية والاقتصادية المفروضة على روسيا منذ تحركت قواتها لغزو الأراضى الأوكرانية. تريد واشنطن من عاصمة الاتحاد الأوروبى، بروكسل، وضع حد لخروقات العقوبات التى تتورط بها بعض الدول (إن باستيراد الطاقة الروسية أو بالسماح باستمرار بعض الاستثمارات الخاصة فى روسيا ومعها بعض المعاملات التجارية والمالية). من وراء الأبواب المغلقة، تطالب واشنطن الحكومات الأوروبية أيضا بمواصلة التوسع فى إرسال الأسلحة إلى الجيش الأوكرانى وتصر على أن تراجع وتيرة تصدير السلاح يمثل إخلالا بالتزامات الأوروبيين الأعضاء فى حلف الناتو.
غير أن القوى الأوروبية الكبرى، وأستثنى هنا بريطانيا المؤيدة والمساندة دوما للاختيارات الأمريكية، تتحفظ اليوم على مطالب واشنطن وذلك لسببين رئيسيين. أولهما هو حقيقة محدودية النجاحات العسكرية الأوكرانية على جبهات القتال مع روسيا، فالهجوم المضاد الذى رفع الأمريكيون سقف المنتظر منه إلى حدود الحديث عن هزيمة عسكرية شاملة لروسيا، هذا الهجوم لم يحرر بعد أكثر من كيلومتر واحد من الأراضى التى تحتلها القوات الروسية فى شرق وجنوب أوكرانيا. والنتيجة، أوروبيا، هى تصاعد شكوك الحكومات فى برلين وباريس فيما خص التعامل الاستراتيجى مع الحرب الروسية ــ الأوكرانية بتغليب الأدوات العسكرية والرهان على قدرات لم تثبت بعد للجيش الأوكرانى والتهميش الكامل لكافة الحلول السياسية والتفاوضية والسلمية التى قد تنهى الصراع.
أما السبب الثانى للتحفظ الأوروبى فيتمثل فى تداعيات التمرد قصير الأجل لميليشيا فاجنر التى أعادت إلى واجهة الإدراك السياسى لصناع القرار فى القارة العجوز أهمية الحفاظ على استقرار روسيا وتماسك مؤسسات الدولة والحكم بها، وكذلك ضرورة الابتعاد عن تهديد وحدتها الإقليمية أو المخاطرة بنشوب حروب أهلية بداخل البلد مترامى الأطراف. فروسيا غير المستقرة والقلقة دوما ما رتبت تهديدات بالغة لأمن واستقرار أوروبا، وحروب وصراعات أهلية داخلها ليس للأوروبيين، وهم فى الجوار الجغرافى المباشر للبلد صاحب المساحة الأكبر فى عالمنا، أن يتعاملوا معها باعتبارها فرصة «لتغيير النظام الحاكم» والتخلص من «سلطة بوتين» كما تفعل الولايات المتحدة البعيدة جغرافيا والتى عادت لتنظر إلى روسيا بعدسات الحرب الباردة.
• • •
إذا كان عدم التجاوب مع الرغبات والمطالب الأمريكية صار يأتى من دولة لها شراكة استراتيجية واسعة مع القوة العظمى كالهند، وعاد ليتصاعد أيضا فى أوساط الحلفاء الأوروبيين وهم الأقرب سياسيا ومجتمعيا وثقافيا لأمريكا؛ يصبح من المنطقى حين النظر إلى المشهد الكامل للنظام العالمى اليوم توقع حضور الكثير من أشكال رفض ومقاومة إرادة واشنطن، وليس فقط من قبل القوة العظمى المنافسة أى الصين أو من قبل روسيا التى تواجه الحصار المدار أمريكيا بمناوءة ممنهجة لمصالح الجانب الأمريكى فى كل مكان (بما فى ذلك فى القارة الآسيوية ومنطقة المحيطين الهادى والهندى)، بل الحقيقة هى أن أشكال رفض ومقاومة إرادة واشنطن أصبحت تمتد إلى حلفاء تقليديين لها فى أقاليم متعددة من بينها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا الوسطى والجنوبية.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات