إلى القرآن من جديد.. 7- التوحيد: يجمع الشمل - جمال قطب - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى القرآن من جديد.. 7- التوحيد: يجمع الشمل

نشر فى : الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 10:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 2 أكتوبر 2015 - 10:15 ص

ــ1ــ
توحيد الله وإفراده بالعبادة هو الغاية العليا المرجوة من جميع الشعائر والسلوكيات وجميع العلاقات التى يقيمها المسلم مع سائر الناس. ولا شك أن التوحيد هو الإقرار بأن خالق الكون ورازق الجميع هو الإله الواحد الذى بيده مقاليد كل شىء، وكما وصف الله ذاته بأنه على كل شىء قدير، وشهيد، ومقيت (رازق)، وحسيب، وحفيظ، وعلى كل شىء مقتدر، ورقيب، وهو خالق كل شىء وبكل شىء عليم، ومحيط، وبكل شىء بصير. وأن الأمر كله لله، وأنه وسع كل شىء رحمة وعلما، وهو رب كل شىء، وكل شىء عنده بمقدار.
هذه القدرات والصفات لذات الله سبحانه هى محصلة الإيمان واليقين، وهى الغاية التى يتحقق منها المؤمنون أثناء حياتهم وحتى يلقوا ربهم.
ــ2ــ
ولكن هل يفرض التوحيد على المؤمنين الموحدين أن ينابزوا غيرهم العداء وأن يعلنوا الحرب بينهم وبين غيرهم؟
لا يفرض التوحيد على أهله أن يحاربوا غيرهم لقهرهم على الإيمان، فقاعدة القرآن واضحة شفافة لا تحتاج تأويلا، وهى قوله تعالى: ((لَا إِكْرَاهَ فِى الدِينِ))، ولابد وأن تبقى جميع الأبواب مفتوحة بين المؤمن الموحد وبين غير المؤمنين، وإلا فكيف يهتدى هؤلاء إلى التوحيد إذا قطعنا العلاقات معهم؟ وكيف يميزون بين الحق والباطل إذا لم نصاحبهم ونرفق بهم؟ وكيف يعرف غير المؤمن طريقه إلى ربه إذا افتقد صحبة المؤمنين ولم يسمع القرآن ولم يشعر بمميزات الإسلام والإيمان من خلال سلوكيات أبنائه؟
ــ3ــ
وهذه السورة العظيمة التى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يمر يوم على المسلم دون أن يقرأها وهى قوله تعالى «(قُلْ يَا أَيُهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)».
هذه السورة تبين حدود علاقة المؤمن بغير المؤمن، فالفرق الواضح الذى لا تعاون فيه ولا تقارب هو فارق العبادة ((لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ))، فلا ينطوى قلب المؤمن على غير التوحيد، ولا ينطلق لسانه بغير التوحيد، ولا يؤدى طقسا يعبد به غير الواحد الأحد. أما سائر مجالات الحياة، فلا تقاطع ولا تحارب، بل تقارب وسعى إلى التكامل، ورجاء فى التأثير فيهم ولفت نظرهم إلى عظمة التوحيد وثماره النفسية والعقلية والمادية. فأنت أيها المؤمن لا تشارك غير المؤمن عبادته وطقوسه، ولكن أنت مطالب أن تبقى أبوابك مفتوحة لهم وعلاقاتك دائما ممتدة بينك وبينهم رغم ما هم عليه من شرك ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَهِ ثُمَ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)).
ــ4ــ
ولا يكتفى الإسلام بفتح أبوابك عليهم وتمكينهم من التعرف على دينك وإيمانك وسلوكياتك، بل يفرض الإسلام على أتباعه عدم التورط فى لعن وسب «معبودات» هؤلاء من أصنام وأوثان وغيرها، فإن مستوى (العبادة) لا يصلح لتجريح المشرك، وقد تدفع غيرة هؤلاء على الباطل الذى هم فيه إلى معاملتك بالمثل فيسبون إلهك وشعائرك، لذلك يقول الله تعال: ((وَلَا تَسُبُوا الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَهِ فَيَسُبُوا اللَهَ عَدْوا بِغَيْرِ عِلْمٍ..)). فخطاب الموحدين لا يجرح غيرهم ولا يعاديهم، بل يبقى خطابنا مفتوحا منشورا واضحا يبشر بالأمن والأمان والسلم والسلام.
يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات