مخرجات زيارة بلينكن إلى الصين - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 1:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مخرجات زيارة بلينكن إلى الصين

نشر فى : الأحد 5 مايو 2024 - 6:20 م | آخر تحديث : الأحد 5 مايو 2024 - 9:47 م

 

أجرى وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، زيارة إلى الصين، خلال الفترة من 24 إلى 26 أبريل 2024، التقى خلالها مع الرئيس الصينى ووزير خارجيته، ووزير الأمن العام، وأمين الحزب الشيوعى الصينى فى شنغهاى. وبحسب بيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، أجرى الجانبان مناقشات متعمقة وموضوعية وبناءة حول الأولويات الرئيسية فى العلاقات الثنائية وحول مجموعة من القضايا الإقليمية والعالمية.

وتأتى الزيارة الثانية لـ «بلينكن» كوزير للخارجية إلى الصين، خلال أقل من عام واحد من زيارته الأولى، فى إطار إصرار البلدين على مواصلة الحوار برغم اتساع نطاق التوترات والخلافات بين الجانبين حول العديد من القضايا بدءا من قضايا التجارة والتكنولوجيا، وصولًا إلى الخلاف حول أزمة تايوان وبحر الصين الجنوبى والعلاقات الصينية الروسية.

أجواء ما قبل الزيارة

برغم ما يبدو من ارتفاع وتيرة التنسيق الأمريكى – الصينى واهتمامهما باستمرار آلية الحوار، كشفت التحركات الأمريكية السابقة لزيارة بلينكن عما ستتضمنه هذه الزيارة من محاولات للضغط على الجانب الصينى فى مجموعة من القضايا أهمها: الدعم الصينى المقدم إلى روسيا، والصادرات الصينية المهددة للوظائف الأمريكية، والموقف الراهن فى تايوان وبحر الصين الجنوبى، وقضايا حقوق الإنسان.

نتائج الزيارة

نظرًا لحالة التوتر المسيطرة على مناخ العلاقات الأمريكية الصينية، والناتجة بشكل أساسى عن انخفاض مستويات الثقة بين الجانبين، لم يكن من المنتظر أن تحقق الزيارة أى اختراق فى مسار علاقات البلدين الثنائية، إذ عمد كل طرف نحو التأكيد على ثوابت موقفه ومطالبه إزاء الطرف الآخر، وهو ما يمكن رؤيته على النحو التالى:

أولًا: استقبال فاتر: بينما يُنظر إلى توتر العلاقات المصاحب لزيارة بلينكن على أنه أقل حدة مقارنةً بزيارته السابقة التى أجراها فى يونيو 2023، حين كانت العلاقات أكثر توترًا، على خلفية حادث منطاد التجسس الصينى فى 2023، حظى وزير الخارجية الأمريكى بمراسم استقبال باردة مماثلة لزيارته السابقة، حيث لوحظ غياب السجادة الحمراء وأى مسئول صينى كبير عن مراسم الاستقبال بمطار شنغهاى.

يعكس برود الاستقبال حالة التحفز الداخلى الصينى إزاء هذه الزيارة، لا سيما فى ضوء التحركات والتصريحات الرسمية، والتى توازى معها تحليلات مفادها أن المهمة الأساسية لزيارة بلينكن إلى الصين تتمحور حول ممارسة المزيد من الضغط.

وبناءً عليه، قبل أيام من الزيارة، لفت تقرير نشرته صحيفة Global Times الصينية إلى أن بكين سترد بحزم ضد أى فعل من شأنه احتواء الصين أو الإضرار بمصالحها. وبحسب التقرير، «تشير الزيارات المتكررة الأخيرة التى قام بها بلينكن ومسئولون أمريكيون آخرون إلى بكين إلى أنه بدون الصين، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تحقيق خططها فيما يتعلق بالقضايا المحلية والإقليمية والعالمية». مضيفًا أنه إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى الحصول على المساعدة من الصين، فإنه يتعين عليها أن تقوم بذلك على أساس المساواة والاحترام المتبادل، أى إنه على الولايات المتحدة تصحيح موقفها والتخلى عن ممارسة أى ضغط إزاء الصين.

ثانيًا: الاهتمام بالعلاقات الشعبية: فى محاولة لتهدئة حدة التوتر الراهن، حرص وزير الخارجية الأمريكى خلال زيارته إلى مدينتى شنغهاى وبكين على إبراز محورية البعد الشعبى والثقافى للعلاقات بين البلدين، حيث أمضى بلينكن اليوم الأول له فى الصين فى الحوار مع الطلاب الأمريكيين والصينيين فى حرم جامعة نيويورك فى شنغهاى والالتقاء بأصحاب الأعمال الأمريكيين، إلى جانب حضور مباراة كرة السلّة بين فريقين يضمّان فى صفوفهما لاعبين أمريكيين. فخلال لقائه مع الطلاب، أكد بلينكن أن التفاعلات بين الثقافات هى «أفضل طريقة للتأكد من أننا نبدأ بفهم بعضنا بعضًا».

ثالثًا: التركيز على الاختلافات: برغم اتفاق الطرفين على أهمية الدبلوماسية النشطة المباشرة، على الأقل لتجنب سوء الفهم، أظهرت البيانات الصحفية اللاحقة لاجتماعات بلينكن مع الرئيس الصينى ووزير الخارجية استمرار تناقض الرؤى واتساع الفجوة بين الجانبين. فعلى الرغم من غلبة اللغة الدبلوماسية خلال الاجتماع الذى جمع بين الرئيس الصينى ووزير الخارجية الأمريكى، إلا أنه تضمن أيضًا بعض الإشارات الضمنية التى عبر من خلالها الرئيس «شى» عن الموقف الراهن لعلاقات البلدين، حيث أكد على أنه «ينبغى للصين والولايات المتحدة أن تكونا شريكتين وليستا متنافستين؛ أن يساعدا بعضهما على النجاح بدلًا من إيذاء بعضهما بعضًا؛ وأن يبحثا عن أرضية مشتركة واحتواء الخلافات بدلًا من الانخراط فى منافسة شرسة، وتكريم القول بالأفعال بدلًا من قول شىء وفعل شىء آخر»، وأن بلاده ملتزمة بعدم التحالف وعلى الولايات المتحدة ألا تعمل على إنشاء كتل صغيرة.

فيما يبدو أن الاجتماع الذى جمع بين وزيرى الخارجية الصينى والأمريكى، والذى استمر نحو خمس ساعات، كان أكثر صراحة ووضوحًا. من جانبه، أكد وزير الخارجية الصينى أنه برغم الاستقرار الراهن بالعلاقات، تتزايد العوامل السلبية وتتراكم وتواجه كل أنواع الاختلالات، مضيفًا أن الولايات المتحدة قد تبنت «سلسلة لا نهاية لها من الإجراءات لقمع الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا فى الصين وأن هذه ليست منافسة عادلة وإنما احتواء يؤدى إلى خلق المخاطر»، مطالبًا بعدم تدخل الولايات المتحدة فى شئون الصين الداخلية، وعدم إعاقة تنميتها، بما فى ذلك التوقف عن تشكيل مجموعات صغيرة بمنطقة المحيطين الهندى -الهادئ، والامتناع عن الضغط على دول المنطقة للانحياز إلى أحد الجانبين.

فى المقابل، أفاد وزير الخارجية الأمريكى أنه قد أثار خلال اجتماعاته المخاوف بشأن العواقب الاقتصادية المحتملة للقدرة الصناعية الصينية الفائضة على الأسواق العالمية والأمريكية، وخاصة فى عدد من الصناعات الرئيسية التى ستقود اقتصاد القرن الحادى والعشرين، مثل الألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية.

وطرح بلينكن أيضًا خلال الاجتماع «الإجراءات الخطيرة التى اتخذتها بكين فى بحر الصين الجنوبى، بما فى ذلك ضد عمليات الصيانة الفلبينية الروتينية والعمليات البحرية بالقرب من منطقة «سكند توماس شول»، مؤكدًا أنه بينما ستواصل بلاده العمل على تهدئة التوترات، فإن التزاماتها الدفاعية تجاه الفلبين تظل صارمة.

وفيما يتعلق بالأزمات الإقليمية والعالمية، أعاد بلينكن الحديث بشأن أهمية استخدام بكين نفوذها «لثنى إيران ووكلائها عن توسيع الصراع فى الشرق الأوسط، والضغط على بيونج يانج لحملها على إنهاء سلوكها الخطير والدخول فى حوار». وفى شأن حقوق الإنسان، أثار بلينكن مخاوف واشنطن بشأن تآكل الحكم الذاتى فى هونج كونج، وانتهاكات حقوق الإنسان فى التبت وشينجيانج، وعدد من قضايا حقوق الإنسان الفردية.

مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية

بالنظر إلى ما انتهت إليه الزيارة، يتضح أن الهدف الرئيسى المتحقق منه هو فقط التأكيد على استمرار الاتصال والحوار متعدد المستويات، حتى وإن ظلت لغة الخلاف والمواجهة، وبالتبعية انخفاض مستوى الثقة المتبادل، هى الأمور المسيطرة على المشهد العام للعلاقات خلال الفترة المقبلة.

يعزز احتمالات الطرح السابق خصوصية العام الحالى بالنسبة لإدارة بايدن، خاصة مع اقتراب عقد انتخابات الرئاسة الأمريكية، فى نوفمبر 2024، حيث يعد ملف العلاقات مع الصين ضمن الملفات ذات الأولوية على أجندة المرشحين الانتخابية؛ نظرًا لتأثيره المحتمل فى تشكيل التوجهات التصويتية للناخبين والناخبات.

وعلى الرغم من أن (احتواء الصين) يظل مبدأً مركزيًا فى رؤيتى الحزبين الديمقراطى والجمهورى على حد سواء، إلا أن هناك قدرًا من الاختلاف فى كيفية تطبيق هذا المبدأ. وبناءً عليه، تشير التحركات الأمريكية الأخيرة إلى رغبة الإدارة الحالية فى تقديم صورة للرأى العام الأمريكى تؤكد على التزام إدارة بايدن ببذل كل ما هو ممكن لحماية الأمن القومى الأمريكى فى مواجهة التحدى الصينى، عبر إبراز القدرة على التنافس، سواء فى إطار علاقتيهما الثنائية، لا سيما فى قطاعى الاقتصاد والتكنولوجيا، أو من خلال التحركات الأمريكية المكثفة فى نطاق المجال الحيوى للصين بمنطقة المحيطين الهندى – الهادئ، وذلك دون التحول إلى شكل من أشكال الحرب الباردة، والتى قد تندلع فى حال فوز «دونالد ترامب» فى الانتخابات المقبلة.

فى المقابل، ستستمر الصين فى الدفاع عن سياستها التجارية والصناعية، إلى جانب تأكيد سيادتها الكاملة على بحر الصين الجنوبى وتايوان، وذلك بالتوازى مع تنفيذ خططها الهادفة نحو تعزيز حضورها البحرى بمنطقة المحيطين الهندى والهادئ، وأيضًا فى تعزيز الشراكات، وتحديدًا الاقتصادية، مع الدول المحايدة والتى لم تتخذ صفًا صريحًا إلى جانب الولايات المتحدة بهذه المنطقة.

وبالتوازى مع ما تقدم، ستمضى الصين أيضا فى طريق توثيق علاقاتها الثنائية مع الدول المتوافقة معها فى المعارضة الصريحة للهيمنة الأمريكية على النظام الدولى، لا سيما روسيا وإيران وكوريا الشمالية، الذين - وفقًا للرؤية الأمريكية - فى طريقهم نحو تشكيل محور جديد يتمثل الهدف منه مواجهة النفوذ الأمريكى العالمى.

نوران عوضين
المركز المصري للفكرة والدراسات الاستراتيجي

النص الأصلي

التعليقات