تقدير مبدئى لخطاب نصر الله - إيريني سعيد - بوابة الشروق
السبت 27 يوليه 2024 9:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تقدير مبدئى لخطاب نصر الله

نشر فى : الأربعاء 8 نوفمبر 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 8 نوفمبر 2023 - 8:10 م
ربما ترقب الكثيرون من المتابعين للحرب الدائرة ومستجداتها، خطاب الأمين العام لحزب الله اللبنانى حسن نصر الله، سيما عقب بروز الحزب كرقم ضالع فى معادلة الصراع، حتى مع تغيراتها وبروز أطراف وإحجام أخرى، يظل حزب الله الطرف العامل والمحرك لكثير من أطراف الصراع، ومع اندلاع عملية "طوفان الاقصي" فقد شن الحزب فى الجنوب اللبنانى عدة عمليات استهدفت المواقع والمسيرات الإسرائيلية، عبر صواريخ أرض ــ جو وموجهة، وأيضا تبادل الهجمات.
وبالرغم من عمليات الاستهداف المتبادل بين الجانبين، إلا أن معظمها لا يرقى إلى المواجهة الصريحة، أو حتى اعتبارها إعلان حرب علانية على دولة الاحتلال، فكلا الطرفين يعلمان جيدا أهمية التأجيل، وهو ما يأتى فى سياقات الدروس المستفادة من أغسطس 2006، وعقب عمليات ردع متبادلة بين إسرائيل وحزب الله استمرت أكثر من شهر، جرت إبانها الحرب الضروس وراح ضحيتها أكثر من 1000 لبنانى، بخلاف المئات من الجنود الإسرائيلين.
غير أن إعلان الجيش الإسرائيلى توعد حزب الله، عقب القضاء على الحماس، حسبما أعلن مستشار الأمن القومى الإسرائيلى تطبيق بلاده «الدروس المستفادة» على حزب الله، يُفهم فى إطار التحسب وقطع الطريق أمام أية تكهنات من قبل حزب الله حول احتمالية استهداف الجبهة الشمالية، أو حتى انشغال دولة الكيان وتشتتها، فلم تغفل إسرائيل تأمين أوضاعها الدفاعية على الجبهة اللبنانية.
يبدو أن حزب الله يفكر بمعزل عن النظام اللبنانى، فبينما يتناقض المشهد اللبنانى فى مواقفه، يصرح فى الوقت ذاته نبيه برى رئيس البرلمان عن جهوزية لبنان لتوسيع قواعد الاشتباك مع إسرائيل، بالمقابل لا يزال حزب الله فى حالة من تقدير الموقف، ما بين التأهب للمواجهة الشاملة مع إسرائيل، أو الاكتفاء بالعمليات الاستعراضية رغبة فى طرح بعض العينات ودون الكشف أو حتى اللعب بكل الأوراق، وبحسب حسن نصرالله تملك جماعة حزب الله أكثر من 100 ألف مقاتل، إضافة الصواريخ أرض ــ جو والطائرات المسيرة، وربما يكفيها الدعم الإيرانى السنوى.
• • •
ولا شك فى أن الخطاب بشكل عام، لا يكمن فى مجرد الخطبة أو مجموعة العبارات المنمقة والمعدة سلفا، عبر مجموعة من المؤسسات والإدارات المعنية بذلك، لكنه يمثل السياسات العامة القادمة، من قبل الجماعة وعلى المستويين العسكرى والسياسى، وفى ضوء علاقة حزب الله الملتبسة بالنظام السياسى اللبنانى وبأجهزته ومؤسساته التنفيذية والتشريعية، فهو ايضا يمثل أبرز أذرع المقاومة الإيرانية بالشرق الأوسط.
إلا أن خروج نصر الله بخطابه الهادئ ــ إن جاز التعبير ــ وفى التوقيتات هذه، ومع استمرار التصعيد من جانب إسرائيل واستمرار المجازر بقطاع غزة والاجتياح البرى المتدرج، أبدى نوعا من التهادن، خصوصا فى عبارات نصر الله والتى خاطب من خلالها المجتمع الدولى من أجل الهدنة الإنسانية، وربما يندر أن نرى حزب الله دون لهجة تصعيدية، حتى عبارات التهديد جاءت تقليدية، ومن النوادر مخاطبة الأمين العام للولايات المتحدة بسرعة التدخل، والتعويل على أمريكا فى إيقاف الحرب، أيضا استخدام مصطلحات تعلقات بالخيارات والفرضيات وحتى كلمات التضامن، فى وقت وصلت فيه المواجهات بين دولة الكيان والقطاع إلى ذروتها، يستدعى التساؤلات ويثير التكهنات بخصوص احتمالات القادم ودون تيقن.
من التقدير المبدئى لخطاب الأمين العام لحزب الله، يتضح أن الداخل اللبنانى ومعطياته حاضرا بقوة ضمن تصورات نصر الله للصراع المشتعل، وفى ضوء عدة من العوامل المؤثرة على الصعيدين السياسى والاقتصادى، يأتى فى مقدمتها الفراغ السياسى والذى تعانيه بيروت، مع انهيار النظام المصرفى وتراجع قيمة العملة الوطنية، والتخوفات تجاه قطاع السياحة وعلى خلفية نزوح ما يقارب 30 ألف لبنانى وعقب مستجدات الصراع الأخيرة، ومن ثم تظل العملة الصعبة وتدفقاتها عملية مستبعدة.
غير أن مقاربة تصعيد 2006 والمواجهة الشاملة بين حزب الله وإسرائيل، والتداعيات الناجمة آنذاك، مثلت الهاجس الأقوى والمُلح، وربما ستحكم معظم التحركات والتوجهات القادمة سواء من قبل لبنان أو الجماعة، حيث تكلفت لبنان ما يقارب 300 مليون دولار من أجل إعادة الإعمار، إلى جانب حجم النفقات والتى تكبدته الحكومة وقتها إن كان تجاه البنية التحتية أو المدنيين والذين تضرروا، وهو ما تخطى 270 مليون دولار، وبعد ما تعهد أكثر من مانح عربى بما تجاوز المليار الدولار.
إيران أيضا تبرز حاضرة ضمن مرتكزات نصرالله وخطابه، وكما أشرنا سابقا كمتابعين للموقف، حول عدم رغبة طهران فى الانجرار إلى الاشتباك المباشر مع الولايات المتحدة، حفاظا على بعض الأوراق الاستراتيجية، والتى قد تتفاوض بشأنها مع واشنطن، أو تسعى للمقايضة بها، سواء فيما يتعلق بالاتفاق النووى أو العقوبات المفروضة عليها.
فرضية أخرى يمكن من خلالها قراءة خطاب نصر الله، وعلى خلفية الحراك الأمريكى الواسع مؤخرا، ومحاولات إدارة بايدن إشغال إسرائيل بعيدا عن حزب الله، وتكثيف جهودها تجاه حماس، دون تعدد جبهات الصراع، حتى مع إصرار وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت على توجيه ضربة إلى حزب الله وبالتزامن مع حماس، تصر واشنطن على تحجيم الصراع فى اتجاه مغاير للجنوب اللبنانى، تخوفا من مقاربات العراق وأفغانستان، وهو ما تفهمه نتنياهو وانعكس جيدا فى الهجمات الباهتة على الجنوب اللبنانى، وربما التى جاءت متناسبة وضربات حزب الله المحسوبة.
ومع التسليم بصحة الفرضيات أعلاه، يظل الصراع الدائر ومجرياته أيضا نقاط التحكم فيه، هو الفرضية الأكثر قوة فى تناول خطاب نصرالله والتعاطى معه مستقبلا، بل ومع سياسات حزب الله ودوافعها القادمة، سيما حال بروز عنصر المناورة، وبدء المواجهات الصريحة بين دولة الاحتلال وحزب الله، ولعل نصر الله أراد إرباك حسابات إسرائيل عبر خطاب غير متوقع، انتهج خلاله التهادن أكثر من التهديد، ومن ثم يبدأ التنفيذ الفعلى لما ذكره حول الخيارات المتاحة، وفى ضوء عقيدة حزب الله تجاه عدوها التقليدى.
إيريني سعيد كاتبة صحفية وباحثة أكاديمية فى العلوم السياسية
التعليقات