قراءة فى السياستين المالية والنقدية - حسين شكري - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 12:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى السياستين المالية والنقدية

نشر فى : الإثنين 13 فبراير 2012 - 9:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 فبراير 2012 - 9:50 ص

يتفق الاقتصاديون على أن السياستين المالية والنقدية هما الآليتان الرئيسيتان اللتان تتيحا لصاحب القرار التأثير على مستوى النشاط الاقتصادى فى المجتمع.

 

السياسة المالية التى تتبعها الدولة وتعلن عنها فى الموازنة العامة تحدد حجم الإنفاق الحكومى وتوزيعه على الخدمات والقطاعات المختلفة فى الاقتصاد وكذلك نوعية ومستوى الضرائب التى تقوم بتحصيلها وكذلك تبين الموازنة حجم العجز المتوقع.

 

شهدنا أنه عندما ضربت الأزمة المالية العالمية الاقتصاد الأمريكى بعنف فى النصف الثانى من عام 2008 سارعت الحكومة الأمريكية بزيادة الإنفاق الحكومى بمقدار 700 مليار دولار مثلت وقتها حوالى 5% من حجم الناتج القومى أنفقت على مشروعات البنية الأساسية وبرامج إضافية فى مجالات الصحة والتعليم.

 

إن الانفاق الحكومى الإضافى الذى قامت به الحكومة الأمريكية نتج عنه زيادة فى حجم العجز فى الموازنة، وعلى الرغم من ذلك لم تتردد الإدارة الأمريكية فى تنفيذه قناعة منها أن زيادة الانفاق يؤدى إلى تحفيز النشاط الاقتصادى وإيجاد فرص عمل جديدة تساعد فى دوران عجلة الاقتصاد مرة أخرى.

 

على عكس القرارات التى اتخذتها الحكومة الأمريكية قامت دول منطقة اليورو باتخاذ إجراءات تقشفية لتخفيض الإنفاق الحكومى مما نتج عنه زيادة فى معدل البطالة وقيام القطاع العائلى بتخفيض الانفاق الاستهلاكى خوفا من شبح البطالة. هناك إجماع على أن تبنى منطقة اليورو سياسة مالية انكماشية أدى إلى زيادة معدل البطالة وانخفاض النمو الاقتصادى مما يهدد بدخول المنطقة مرة أخرى فى دورة كساد اقتصادى.

 

أما بالنسبة للسياسة النقدية، فهى أيضا تؤثر على مستوى النشاط الاقتصادى فى ضوء أسعار الفائدة القصيرة الأجل التى يتحكم فيها البنك المركزى والتى بدورها لها تأثير على أسعار الصرف وعلى مستوى الأسعار كمثال واضح لتطبيق لسياسة نقدية قام البنك المركزى الأمريكى وقت الأزمة المالية العالمية بتخفيض أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى أقل مستوى لها فى التاريخ الحديث حيث أصبحت تقريبا صفرا لتشجيع الاقتراض والاستثمار، كما استحدث البنك المركزى آلية جديدة للتأثير على أسعار الفائدة المتوسطة وطويلة الأجل بتبنى ما أطلق عليه برنامج التحفيز الكمى quantitative easing الذى فى إطاره يشترى البنك المركزى من سوق المال سندات حكومية بحيث ترتفع أسعارها وبالتالى يخفض العائد عليها. هذه سياسة نقدية توسعية بالدرجة الأولى.

 

أما فى أوروبا لم يتبع البنك المركزى الأوروبى سياسة نقدية توسعية بدرجة عالية مثل نظيره الأمريكى ورفض تطبيق سياسة التحفيز الكمى مفضلا أن يقدم تسهيلات ائتمانية للبنوك التجارية بأسعار فائدة منخفضة. هذه أيضا تدخل فى إطار سياسة نقدية توسعية وإن كانت أقل توسعا من نظيرتها الأمريكية.

 

●●●

 

ماذا يحدث فى مصر وهل يقوم صناع القرار الاقتصادى باستخدام السياستين المالية والنقدية لتحفيز الاقتصاد فى ضوء الانخفاض الشديد فى حجم الناتج القومى؟

 

عند مراجعة السياسة المالية المتبعة حاليا نجد أن الاقتصاد المصرى يعانى من عجز فى الموازنة العامة يتوقع أن يصل هذا العام إلى حوالى 10.2% من حجم الناتج القومى، كما يصل الدين العام خارجى وداخلى إلى حوالى 100% من حجم الناتج القومى. فى ضوء تلك المؤشرات ما الذى يمكن عمله من خلال السياسة المالية لتحفيز الاقتصاد؟

 

للإجابة على هذا السؤال، فيما يلى بعض الملاحظات فى هذا الموضوع:

 

1 ـ تتبع الحكومة المصرية بالفعل سياسة مالية توسعية حيث يبلغ العجز حوالى 12% من حجم الناتج القومى. ومن الصعب تصور زيادة الانفاق الحكومى عن هذا الحد لتحفيز الاقتصاد لأنه يؤدى إلى نتائج كارثية.

 

2 ـ يمكن للحكومة أن تحافظ على العجز بمستوياته الحالية بدلا من تبنى سياسة مالية انكماشية تؤدى إلى انكماش إضافى للنشاط الاقتصادى.

 

3 ـ على الحكومة أن تقوم بإعادة هيكلة العجز فى الموازنة عن طريق ترشيد الدعم بحيث يصل إلى مستحقيه وتخفيض دعم المنتجات البترولية الذى يبلغ حوالى 100 مليار جنيه. يتم بعد ذلك إعادة توظيف الوفر الناتج من الهيكلة بتنفيذ مشروعات بنية أساسية ومشروعات صناعية ذات عمالة كثيفة.

 

4 ـ بذل الجهد لإدخال قطاع الأعمال غير الرسمى فى إطار الشرعية بحيث يخضع للوعاء الضريبى للدولة.

 

أما بالنسبة للسياسة النقدية يمكن عمل الملاحظات التالية:

 

1- يتبع البنك المركزى سياسة نقدية انكماشية حيث قام برفع فائدة الإيداع بين البنوك (الكوريدور) 1% وكذلك سعر الخصم فى شهر نوفمبر 2011 على الرغم من التباطؤ الواضح فى حجم النشاط الاقتصادى.

 

2- اتخذ البنك المركزى هذا القرار لمحاربة التضخم الناتج من العجز المتزايد فى الموازنة.

 

3- أن رفع سعر الفائدة يساعد الجنيه المصرى فى الحفاظ على أسعار صرفه أمام العملات الأخرى فى ضوء انخفاض احتياطى النقد الأجنبى.

 

4- ارتفعت أسعار الفائدة على أذون الخزانة التى يصدرها البنك المركزى لتصل إلى 16% لأذون الخزانة لمدة عام بعد أن كانت 10.6% قبل الثورة حيث يطلب مشترى أذون الخزانة الآن أسعار فائدة أعلى، بعد تخفيض التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى. إن ارتفاع أسعار الفائدة على أذون الخزانة يؤدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الفائدة التى تحملها البنوك لعملائها.

 

●●●

 

أثرت المشاكل التى يمر بها الاقتصاد المصرى على المرونة المطلوبة فى هذه الأوقات لاستخدام السياستين المالية والنقدية لتحفيز الاقتصاد. إلا أنه يمكن استخدام السياسة المالية لتحريك الاقتصاد عن طريق إعادة هيكلة الإنفاق الحكومى.

 

أما بالنسبة للسياسة النقدية، فلا يملك البنك المركزى المرونة المطلوبة لإتباع سياسة نقدية توسعية تقوم على تخفيض أسعار الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادى.

 

إن أمام البنك المركزى ضغوطا أخرى حتمت عليه رفع أسعار الفائدة على الرغم من تباطؤ النشاط وهذه الضغوط تمثلت فى محاربة ارتفاع الأسعار والحفاظ على أسعار صرف الجنيه.

 

حسين شكري رئيس مجلس إدارة شركة إتش سى للأوراق المالية والاستثمار
التعليقات