برنامج ثورى للتحول الديمقراطى - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

برنامج ثورى للتحول الديمقراطى

نشر فى : الإثنين 16 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 أبريل 2012 - 8:00 ص

كانت الحجة الأساسية لسرعة تشكيل لجنة لتعديل بعض أحكام دستور ملغى أصلا، ثم لاعتماد مقترحات هذه اللجنة فى استفتاء 19 مارس من العام الماضى، هى العودة بأسرع ما يمكن إلى نظام حكم غير استثنائى، ودستورى، وقد أضيفت إليه صفات ديمقراطية. لم يلق أصحاب مبادرة تعديل الدستور الملغى، ولا من أيدوا المبادرة ودعوا الشعب إلى اعتمادها، بالا للحجة المقابلة وهى أنه لا يمكن إدخال صفات ديمقراطية على دستور ذى جوهر غير ديمقراطى، إلا إن كانت هذه مسحات تجميلية سرعان ما يكشف الزمن، وإن قصر، عن سطحيتها وعن عجزها عن علاج تشوهات خلقية وقبح متأصل. كانت المسحات كافية لأصحاب المبادرة الذين لم يسئهم كثيرا الأصل السلطوى للنظام السياسى الذى أقامه الدستور الملغى، وظنها من أيدوهم كافية لإيصالهم إلى سلطة تمكنهم من تغيير هذا النظام. اتفق الطرفان ضمنيا على الوسيلة ولكنهما اختلفا فى الهدف النهائى. وها نحن بعد عام وشهر على اعتماد مقترحات لجنة تعديل الدستور لا عدنا إلى نظام حكم دستورى، ولا صغنا حرفا واحدا فى دستور جديد، بل وحتى لم ننجح فى تشكيل الجمعية التأسيسية التى ستصيغ هذا الدستور، وبالتوازى مع ذلك، يحتدم الخلاف بشأن الترشح لرئاسة الجمهورية، من تنطبق عليه المعايير الموضوعة ومن لا تنطبق عليه، ومن يحق له الترشح ومن لا يجوز له ذلك. مشهد مؤسف فى بلد بدأت التنمية السياسية الحديثة فيه منذ ما يقرب من القرنين من الزمان.

 

●●●

 

العلل التى أوصلتنا إلى هذه الحال كثيرة، ولنأخذ أمثلة عليها من العلل الإجرائية المتعلقة بتشكيل الجمعية التأسيسية وباعتماد الدستور، ثم من شروط الترشح لرئاسة الجمهورية. مقترحات لجنة التعديلات الدستورية حددت الهيئة الناخبة لأعضاء الجمعية التأسيسة المائة، وهو ما أكده حكم المحكمة الإدارية مؤخرا، ولكنها لم تحدد من أين يجىء المرشحون الذين تنتخب من بينهم. هل تنقب الهيئة الناخبة عن المرشحين من بين عشرات الملايين من أبناء الشعب المصرى؟ أم هل يفتح باب الترشح أمام المواطنين جميعا ثم ينتخب أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبون من بين هؤلاء المرشحين أعضاء الجمعية التأسيسية؟ العبث فى هذا الحل جلى، وكان أجدر بلجنة التعديلات الدستورية أن تجعل من الانتخابات التى أدت إلى انتخاب مجلس الشعب الحالى انتخابات لجمعية تأسيسية ينتخب كل أعضائها بطريقة القائمة النسبية. إلا أن مجلس الشعب قد انتخب وقضى الأمر، ولابد من التفكير فى حل آخر. علة ثانية تتعلق بالأغلبية المطلوبة لانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، فالأغلبية المرجحة توفر شروط التوافق على الأعضاء وهو الشىء الضرورى لصياغة دستور يمكن الأغلبيات المتعاقبة بعد ذلك من الحكم، ويكفل فى الوقت ذاته الحماية للأقليات السياسية والاجتماعية. علة ثالثة هى غياب أى نص على الحد الأدنى لنسبة المصوتين، من بين من يحق لهم التصويت من المواطنين، لكى يعتد بنتائج الاستفتاء على اعتماد الدستور. فهل يمكن مثلا الاعتداد بنتائج استفتاء يصوت فيه أقل من خمسين فى المائة ممن يجوز لهم التصويت؟ وعلة رابعة هى الخاصة بالأغلبية المطلوبة من بين المصوتين لاعتماد الدستور فى الاستفتاء الشعبى. فهل من الجائز اعتماد القانون الأساسى للبلاد بأغلبية خمسين فى المائة زائد صوت واحد من بين المصوتين؟

 

أما عن انطباق معايير الترشح لمنصب رئيس الجمهورية من عدمه، وهو ما ثار بشأن المرشحين السيد حازم أبوإسماعيل والدكتور محمد سليم العوا، فالمدهش أن المناقشات انصبت على ما إذا كانت والدة الأول حصلت على الجنسية الأمريكية أم لم تحصل، وما إذا كان والدا الثانى مصريين أم سوريين. هل يتغير شىء فى حازم أبوإسماعيل إن افترضنا أن والدته حصلت على الجنسية الأمريكية؟ أليس هو نفسه المصرى الممثل لحركة اجتماعية وسياسية مصرية صميمة؟ وبافتراض أن أهل محمد سليم العوا سوريون، فهل ينتقص ذلك من مصريته وهو المنخرط حتى أخمص قدميه فى الحياة السياسية المصرية، يبغى من وراء انخراطه مصلحة مصر والمصريين، من منظوره الخاص به؟ لو انطبقت المعايير التى وضعتها لجنة التعديلات الدستورية على الجزائر مثلا لما أمكن انتخاب المرحوم أحمد بن بللا، بطل حركة التحرر الوطنى الجزائرية، كأول رئيس لها، فهو مغربى الوالدين! ولابد أن يثور التساؤل عن المصريين المولودين لأب سورى أو أم سورية أثناء الوحدة المصرية ــ السورية فيما بين 1958 و1961. هل يحرمون أيضا من حق الترشح؟ العلة هى فى المعايير ذاتها. لابد من إعادة النظر فيها، ولابد من صيانة الحقوق السياسية للمصريين جميعا، ولابد من الثقة فى الشعب ومن أن يترك له الحكم على من يعهد إليه برئاسة البلاد أو بتمثيله فى المجالس النيابية.

 

●●●

 

هذه العلل جميعا من أسباب مراوحتنا لمكاننا منذ أكثر من عام، بل وتراجعنا، إن كان المقياس هو توحد القوى التى ثارت على نظام القمع والفساد والفقر والفشل، وأرادت بثورتها بناء نظام ديمقراطى صحى جديد. علاج العلل المذكورة فى متناول هذه القوى الثورية، بل إنه يمكن أن يكون سبيلها لإعادة توحدها. فلتجتمع القوى الثورية جميعا، وهى تعرف بعضها بعضا، ولتبحث وتتفاوض بشأن سبل علاج هذه العلل. هذه القوى الثورية موجودة داخل البرلمان وخارجه، وهى تشمل أحزابا، وحركات شباب، ونقابات عمالية مستقلة، وأكاديميين، ومثقفين، ومنظمات للمجتمع المدنى. الدليل على شرعية القوى غير البرلمانية فى وجودها فى الشارع وفى حيويتها. واشتراك هذه القوى فى البحث عن علاج للعلل ليس انتقاصا من وزن الأغلبية البرلمانية بل هو تعزيز لشرعيتها ودليل على حرصها على توافق آراء الجماعة الوطنية. وبالإضافة لعلاج العلل، ويمكن لهذه القوى أن تناقش وأن تتفق كذلك على المبادئ الحاكمة للنظام السياسى، من مصادر التشريع، إلى المساواة وعدم التمييز بين المواطنين وصيانة حقوقهم وحرياتهم، وعلى الخطوط العريضة للنظام السياسى والاقتصادى المبتغى، من توزيع السلطات والتوازن بينها مع تأمين الفاعلية للسلطة التنفيذية، إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر ورفع مستويات المعيشة، بل وربما أمكن الاتفاق على السياسات الاقتصادية والاجتماعية واجبة الاتباع أثناء الفترة الانتقالية حتى يؤمن المناخ المناسب لعملية صياغة الدستور. هذه العملية يترك لها بعد ذلك التفاوض بشأن تفاصيل الأحكام الدستورية، وهى عملية ستشترك فيها بالضرورة، إلى جانب القوى الثورية، أطياف سياسية أوسع نطاقا.

 

سيقبل المجلس العسكرى ما تتفق عليه القوى الثورية. أى مبرر لرفض مبادرات صادرة من هذه القوى يكمن فى انقسامها، فإن هى توحدت انتفت أى مبررات ممكنة للرفض. توحد القوى الثورية سيعفيها كذلك من الحاجة إلى سن قانون لاستبعاد مرشحين بعينهم من سباق الرئاسة، ويترك الاختيار مطمئنا للشعب فيكون اختياره الحكم الدامغ عليهم وطيا نهائيا لصفحتهم وصفحة نظامهم. وربما كان فى اتفاق القوى السياسية الثورية إعفاء للمجلس العسكرى من ضرورة اتخاذ مبادرات أو مواقف قد تحسب عليه من جديد.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات