هل نحن على أبواب العولمة الصينية؟! - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نحن على أبواب العولمة الصينية؟!

نشر فى : الجمعة 17 أبريل 2020 - 9:40 م | آخر تحديث : الجمعة 17 أبريل 2020 - 9:40 م

يتحدث كثير من المحللين السياسيين والصحفيين عن أن الصين مرشحة أن ترث الولايات المتحدة الأمريكية فى حكمها للعالم من خلال مصطلح «العولمة»، ويؤكدون رأيهم ويثبتونه بأن الصين ستكون قريبًا أكبر قوة اقتصادية فى العالم وستتجاوز أمريكا، ثم إنها شعب واحد بلغة واحدة، والأهم من كل ذلك هو التقدم العلمى الرهيب، ويشيرون إلى تطورها لمحمول هواوى، والذى جعل أمريكا تستورده ويكون الأكثر مبيعًا فى العالم.. إلخ. لكننى أزعم أن الحقيقة التاريخية لا تسير فى هذا الاتجاه، ولكى أوضح رأيى فإن أمريكا لم تكن هى أول من قام بعولمة العالم، ولم تكن أيضًا الإمبراطورية البريطانية أو الآشورية، أو اليونانية، مع أن هذه الإمبراطوريات اكتسحت العالم وحكمته فى وقت من الأوقات فالإسكندر الأكبر وصل إلى الهند، وكورش الفارسى أيضًا فتح معظم بلاد العالم وبابل وكذلك العرب.. إلخ. لكن هناك إمبراطورية وحيدة هى التى استطاعت أن تحقق العولمة فى التاريخ القديم هى الإمبراطورية الرومانية، وفى الحديث أمريكا، ولا يبدو فى الأفق علامات لظهور دولة مرشحة لتكون عظمى سواء فى المستقبل القريب أو البعيد تستطيع أن تنتزع العولمة منها، والحقيقة التى لابد أن تعرفها ــ عزيزى القارئ ــ إننى على المستوى الشخصى والمستوى الفكرى والاجتماعى لا أحب أمريكا ولا أميل لتشجيع سياستها فى العالم كله، ويمكنك العودة إلى كتاباتى سواء فى كتبى أو مقالاتى. هنا يأتى السؤال: إذن لماذا أؤكد على عدم سقوط أمريكا فى عصرنا هذا وعدم ظهور دولة تأخذ عصا سبق العولمة منها؟
***
تقوم العولمة ــ عزيزى القارئ ــ على ثلاثة أسس لابد للدولة التى تريد أن تحققها بناءها، وهى أولًا: لغة عالمية يمكن للعالم كله أن يتفاهم بها، وثانيًا: جنسية يُحترم الحاصلون عليها فى معظم إن لم يكن كل بلاد العالم، وثالثًا: جيش قوى يمكن من خلاله أن تحكم السيطرة على أى منطقة من العالم. بالعودة إلى الإمبراطورية الرومانية فقد كانت اللغة الرسمية لها اليونانية والتى كانت فى ذلك الوقت لغة العلم والفلسفة، فمعظم الفلاسفة القدامى كانوا يتحدثون ويكتبون باللغة اليونانية وذلك بداية من أرسطو وسقراط وأفلاطون وأرشميدس.. إلخ. ولعلك تلاحظ أيضًا ــ عزيزى القارئ ــ أنه عندما جاء الفتح العربى الإسلامى إلى مصر فى القرن السابع، وبدأ حكم الدولة العباسية عام 750م وبداية من عام 800م بدأ المسيحيون المصريون وبذكاء شديد يتعلمون العربية بجوار اليونانية التى يتقنونها حتى إذا ما وصل خليفة مثقفًا كالمأمون (786 ــ 833 م) يهتم بالفلسفة والعلوم وحوار الأديان، وحيث لم يكن أحد من العرب فى كل البلدان التى سيطرت عليها الدولة العباسية يعرف اليونانية سوى المصريين، من هنا جاء طلب الخليفة المأمون (786 ــ 833 م) وهو يحكم من بغداد من مسيحيى مصر ترجمة الكتب العلمية والفلسفية والأدبية إلى العربية وكان من أبرزهم حنين بن إسحق ويحيى بن عدى وقسطة بن لوقا... إلخ. وكان يهب المترجم وزن الكتاب الذى ترجمه ذهبًا وكانت هذه الحقبة من الزمان من أعظم الحقب فى التاريخ العربى الإسلامى إن لم تكن أعظمها على الإطلاق، لكن كل هذا توقف بسقوط الدولة العباسية. ما يهمنا هنا أن الإمبراطورية الرومانية كانت تصر على تعلم اليونانية فى كل الأقطار التى تسيطر عليها، ولعلنا نلاحظ أن العهد الجديد من الكتاب المقدس كُتب الكثير منه باللغة اليونانية رغم أن لغة التلاميذ كانت الأرامية، ثم قام علماء بترجمة العهد القديم من العبرية إلى اليونانية وسميت بالترجمة السبعينية وذلك لكى يصير الكتاب المقدس بعهديه كتابا عالميًا. هذا هو البعد الأول للعولمة وهو اللغة، أما البعد الثانى فهو الجنسية فلابد وأن تكون هناك جنسية عالمية يُعرّف بها حاملها فى كل أرجاء الأرض، وتبسط حمايتها عليه فى أى بلد كان فلا يُحاكم إلا أمام المحاكم الرومانية، ودليلنا على ذلك من التاريخ فقد كانت فلسطين تحت الحكم الرومانى وكان بولس الرسول المسيحى يهودى الأصل مولود فى قرية تدعى طرسوس وقد احتلتها الإمبراطورية الرومانية ولسبب أو آخر أعطت لكل سكانها الجنسية الرومانية، وفى حوار بين الرسول بولس وأحد الضباط الرومان ضرب الضابط بولس بسبب تبشيره بالمسيحية غير المعترف بها كدين حسب القانون الرومانى حينئذ، ولما لاحظ بولس أن لكنته اليونانية ليست أصيلة سأله: هل أنت حاصل على الجنسية الرومانية؟ فأجابه الضابط بغطرسة نعم فأنا أنفقت مالًا كثيرًا للحصول عليها، قال له بولس: أما أنا فقد وُلدت فيها، وهنا ارتعد الضابط واعتذر لبولس حتى لا يشتكيه فيفقد وظيفته لأنه أهان شخصًا رومانيًا، لكن بولس قال له ليس من المعقول أن تضربنى أمام الناس وتعتذر لى بمفردنا، وصحبه معه حيث يعبد المسيحيون، وهكذا نجح بولس فى حمايتهم من الاضطهاد الرومانى. وحادثة أخرى أثناء محاكمة بولس من ملك يدعى أغريباس أحس بولس بأن المحاكمة غير عادلة فقال «إنى أرفع دعواى إلى قيصر»، وأثبت أن جنسيته رومانية للمحكمة، فقال له الملك على الفور «رفعت دعواك إلى قيصر.. إلى قيصر تذهب» أى يذهب إلى روما على نفقة المحكمة وهو الأمل الذى كان يتمنى بولس تحقيقه. أما البعد الثالث لتحقيق العولمة امتلاك أقوى جيش على الإطلاق فى عصره، من هنا أقول إن الإمبراطورية البريطانية لم تستطع أن تفرض لغتها ولا جنسيتها على العالم رغم احتلالها لثلثى العالم على الأرض، إلا عندما تبنت أمريكا اللغة الإنجليزية مع أنه أطلق عليها «الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس»، ولم يكن مواطنو الدول المحتلة منها يسعون للحصول على جنسيتها لأن حملها عار، لذلك لم تحقق إنجلترا ما ندعوه بالعولمة.
لكن بمقارنة العولمة الأمريكية بالعولمة الرومانية نجد أنها حققت العوامل الثلاثة، وأولهم اللغة الإنجليزية باللكنة الأمريكية، لذلك نجد كل كتب العلوم والفلسفة والأدب بكل أنواعها وتفصيلاتها تترجم إلى الإنجليزية إن لم يكتبها أصحابها من الأصل بالإنجليزية حتى لو كانت لغتهم الأصلية غير ذلك. باللغة الإنجليزية يمكنك أن تسافر عزيزى القارئ ــ لكل بلاد العالم حتى فى الواق الواق تجد من يفهمك. أما الأمر الثانى فهو الجنسية الأمريكية وهى التى تثير جدلًا ضخمًا، فميزتها العظمى هى أنه يمكنك زيارة 99% من بلدان العالم بدون فيزا، هذا غير احترامك لما تحمل ومن معك لمجرد أنك تحمل جوازًا أمريكيًا، وأنا ــ عزيزى القارئ ــ أحمل جوازا أمريكيا منذ عشر سنوات لأن ابنتى تعيش هناك، والحقيقة أجد احتراما شديدا فى أى مطار من مطارات العالم. المواطن الأمريكى الأصل أو المواطن الذى يحمل الجنسية الأمريكية له حماية عالمية خاصة فى أى مكان من العالم. وأخيرًا الجيش الأمريكى وأمريكا تملك أقوى جيش فى العالم، وقد تبين ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، والذى يحكم العالم اليوم مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة وهو مكون من خمسة دول أقواهم وأكثرهم فعالية أمريكا، ولعلك تذكر ــ عزيزى القارئ ــ بطرس بطرس غالى المصرى الوحيد الذى أصبح أمينًا عامًا للأمم المتحدة، وبسبب موقفه من اسرائيل بسبب مذبحتها ضد اهالى قرية قانا اللبنانية، فقد اعترضت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا على تجديد وظيفته لمدة أخرى (4 سنوات) وارتدت الفستان الأحمر رمز الاعتراض ورفضت التجديد رغم قبول باقى أعضاء مجلس الأمن بأن من حقه الحصول على المدة الثانية والأخيرة.
***

والآن دعونا نطبق شروط العولمة كما طبقناها على الإمبراطورية الرومانية والأمريكية على الصين ونسأل ثلاثة أسئلة: هل اللغة الصينية تصلح لأن تكون لغة عالمية؟! هل الجنسية الصينية جنسية بقوة دولة عالمية؟ هل الجيش الصينى يصلح أن يكون أقوى جيوش العالم؟!.
إلى كل من يتشدقون بسقوط أمريكا على يد الصين أن يجيبوا عن هذه الأسئلة، وسوف أعتذر علانية عن مقالى وتحليلى هذا على رءوس الأشهاد.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات