تونس.. حراسة حدود أوروبا أو الإفلاس! - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تونس.. حراسة حدود أوروبا أو الإفلاس!

نشر فى : الخميس 20 يوليه 2023 - 11:10 ص | آخر تحديث : الخميس 20 يوليه 2023 - 11:10 ص

نشر موقع 180 مقالا للكاتب مالك ونوس، يقول فيه إن الغرض من زيارات رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلونى، المتكررة إلى تونس هو المقايضة، أى أن تصبح تونس حارسا لحدود أوروبا مقابل إنقاذها من خطر الإفلاس... نعرض من المقال ما يلى.
زيارات رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة، جيورجيا ميلونى، إلى تونس، باتت متكررة ولافتة للانتباه، إذ لم يفصل بين زيارتين لها أكثر من أسبوع، ثم جاءت الزيارة الثالثة قبل أيام قليلة. ما زاد الاستغراب هو التوقيع المفاجئ بسرعته على مذكرة تفاهم حول «الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبى».
تطرح هذه الزيارات أسئلة عديدة، فهل كانت الزيارة الأولى لأجل إطلاع ميلونى المباشر على واقع تونس الاقتصادى الصعب، ثم عادت لابتزازها عبر الطلب منها بيع خدمات لأوروبا مقابل بعض المبالغ التى ستؤجل إعلان إفلاس البلاد؟ إذا كانت ميلونى تريد من تونس أن تصبح حارسا لحدود أوروبا بوجه المهاجرين القادمين من سواحل شمال أفريقيا، ستجد فى حال الاقتصاد التونسى المتدهور وخطر إفلاس البلاد تشجيعا لعرضٍ مهين للبلاد. وتكمن ضالتها فى تصريحات وزيرة مالية تونس، سهام نمصية، التى حذَّرت قبل شهر ونصف من خطر الإفلاس إذا ما فشلت بلادها فى سداد الديون الحالية المتوجبة ومن ثم تلك التى تأمل بالحصول عليها.
ولأن الوزيرة نفت، قبل أكثر من سنة، أن تكون تونس على حافة الإفلاس، ثم عادت، فى 1 يونيو الماضى، إلى التحذير، يحضر التساؤل إن كانت قد أجبرت على التصريح الأول، ثم طُلب منها أن تشير إلى الخطر المحدق من أجل إثارة مخاوف التونسيين من الإفلاس، فى التصريح الثانى. ثم هل لهذا التصريح الأخير علاقة بتحضير الرأى العام التونسى للقبول بعرض ميلونى نتيجة الحاجة الماسة إلى منقذ؛ المنقذ الذى يتمثل هذه المرة بالاتحاد الأوروبى الذى أبدى استعداده لتقديم مساعدات لا تغنى من جوع، على شكل قرض قيمته مليار يورو؟
العرض الأخير جاءت به ميلونى برفقة كل من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، ورئيس الوزراء الهولندى، مارك روته، فى زيارتها الثانية، فى 11 يونيو الماضى، إضافة إلى تقديم 100 مليون يورو «لإدارة الحدود ودعم عمليات البحث والإنقاذ وإجراءات مكافحة تهريب المهاجرين عبر المتوسط».
كما تعهد الأوروبيون بمساعدة تونس للحصول على قرض من البنك الدولى. وكان الطرفان قد اتفقا خلال زيارة ميلونى السابقة على تشكيل لجنة مشتركة أُنجزت خلال فترة وجيزة مذكرة الشراكة الشاملة التى وُقِّعَت فى تونس بحضور الوفد الأوروبى ذاته، غير أن ما يهم ميلونى وأورسولا فون ديرلاين ومارك روته هو ما شدّدت عليه المذكرة بوصفها «خطوة هامة من أجل إحلال شراكة فعلية بين الطرفين لمجابهة أزمة الهجرة بين ضفتى المتوسط».
• • •
أما بالنسبة لخطر الإفلاس الذى تسلّلت ميلونى من خلاله لابتزاز التونسيين، فقد كانت وزيرة المالية التونسية، سهام نمصية، قد أقرت خلال جلسة عامة للبرلمان، فى 1 يونيو الماضى، أنه «يوجد ضغوطات كبيرة على ميزانية الدولة لأن المصاريف تفوق المداخيل والموارد الذاتية للحكومة». وأوصت بـ«التوجه إلى القروض الداخلية والخارجية، من أجل التعهد بالمصاريف وسداد الديون الخارجية». ثم حذّرت من أنه فى حال حدوث خلل فى سداد القروض الخارجية «فإننا أعلنا إفلاس الدولة». وجاء هذا الكلام فى سياق مناقشة البرلمان مشروع إقرار قرض بقيمة 500 مليون دولار من «البنك الأفريقى للتوريد والتصدير» لتمويل ميزانية الدولة.
إن كان الأمر فرديا، يُسجل للوزيرة التونسية أنها وضعت إصبعها على الجرح فى بلادٍ باتت سمة الحكم فيها إنكار وجود مشكلات حقيقية تواجه اقتصاد البلاد، والتركيز على أعداء وهميين يتربصون بها من كل حدب وصوب. لكن يبدو أن الوزيرة نسيت ما صرّحت به قبل أكثر من سنة (2 فبراير 2022)، حين نفت إفلاس الدولة أو اقترابها من خطر الإفلاس، وأعادت علينا يومها سردية القاعدة الاقتصادية المدرسية والبديهية حين قالت: «الدولة المفلسة هى تلك التى تكون غير قادرة على سداد ديونها«. أما ما فات الوزيرة فهو حقيقة أن الاقتراض من أجل سداد قروض متعثرة هو أحد مؤشرات إفلاس الدولة التى لا يمكن إنكارها، بدليل أزمة نقص الخبز، منذ نهاية مايو الماضى، نتيجة سوء إدارة استيراد القمح من الخارج وتوريد الطحين للأفران.
ربما أُريدَ للوزيرة أن تُطلق هذا التحذير تحضيرا لأرضية قبول العروض الأوروبية المجحفة من أجل حل المشكلات التى باتت كثيرة إلى درجة لم تعد معها حكومة قيس سعيِّد قادرة على إخفائها أو الاستمرار بإنكارها.
• • •
كل شروق شمسٍ جديد، تظهر فى تونس مشكلة تضاف إلى أخواتها المزمنات، بسبب عدم وجود إرادة، أو بالأحرى نية، لدى أركان السلطة لحلها أو حتى البحث فيها وفى أسباب نشوئها. وطبعا بقاء أسباب نشوء هذه الأزمات يعد مُولّدا لأزمات جديدة، وهى أزمات تتناولها وسائل الإعلام والحكومات والهيئات الغربية.
وكما رصد موقع «المونيتور» الإخبارى الأمريكى فى أبريل الماضى، عاد قيس سعيِّد إلى المشهد بعد أسبوعين من الغياب، لا لكى يتحدث عن خططه لتخفيف الأزمات عن الشعب، بل لكى يشتم خصومه الذين أثارهم غيابه الطويل. وأشار الموقع إلى أن هذا الغياب له تأثير بالغ على البلاد لأنها أصبحت كلها فى قبضة رجلٍ واحد جعل حكمه الفردى من تونس بلدا يصل حافة الإفلاس، وجعل هم العباد فيها الهجرة عبر البحر تهريبا إلى إيطاليا والدول الأوروبية القريبة.
ولا يعد تدهور المستوى المعيشى فى ظل الغلاء والتضخم الكبير والفقر والبطالة مشكلات التونسيين الأخطر، بل هنالك خطر أكبر يتمثل فى فقدان الأدوية والسلع الغذائية، والتى منها ما سببته موجات الجفاف المتتالية التى ضربت البلاد، وعدم استجرار البدائل من الخارج، والتى وصلت مرحلة الندرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. وستتعمق المشكلة أكثر وتتطور مع انعدام قدرة البلاد على استيراد المواد الضرورية، خصوصا الغذائية لسد النقص، بسبب عدم القدرة على تأمين التمويل المالى اللازم بالعملة الصعبة لتلك المستوردات، وهو ما يدفعها للاستدانة من الصناديق الدولية، وبالتالى دخول تونس فى حلقة الاقتراض والعجز عن السداد، ثم الاقتراض من أجل السداد، ما يؤسس لانهيار مالى يكون مقدمةً لانهيار اقتصادى شامل.
ولا يقع هذا الكلام فى باب التكهنات، بل هو أمر واقع حذرت منه وكالة «موديز» حين خفّضت التصنيف السيادى لتونس، مع بداية السنة الحالية، إلى درجات سلبية بسبب عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، ما يعنى تصنيفها بلدا بمخاطر مالية مع جدولة بعض الديون الخارجية وتوقف سداد بعضها، علاوة على عجز الميزان التجارى بنسبة كبيرة، وتآكل احتياطيها من العملات الأجنبية، أى الدخول فى مرحلة خطر الإفلاس.
يُحيل الجميع أزمات تونس المستجدة إلى الأزمة السياسية التى أوقع الرئيس قيس سعيِّد بلاده فيها، بعد انقلابه على الدستور وحله البرلمان وصياغة دستور جديد كانت وظيفته إنتاج برلمان وحكومة على مقاسه.
وسواء أجرى النظام إصلاحات غير شعبية مدفوعا بتوصيات صندوق النقد الدولى للحصول على قرض فتزيد النقمة عليه، أم مدفوعا بالضرورة التى يحتمها واقع البلاد وأزماتها، فإنها جميعها لن تكون إصلاحات بحجم المأمول إلا إذا شهدنا إصلاحا كليا يبدأ بعودة سعيِّد عن «تدابيره» الاستثنائية التى أسّست لهذا الانهيار الكبير.
ربما نرى قيس سعيِّد وقد قبِل عرض ميلونى وحوَّل بلاده إلى شرطى يحمى حدود أوروبا من المهاجرين الأفارقة، وهو الذى شنّ، قبل شهور قليلة، حملة عنصرية بحقهم طالت المقيمين منهم أيضا، واعتقل عددا كبيرا منهم لإعادتهم إلى بلدانهم، فقط لكى يُقدّم نفسه للأوروبيين على أنه حامى حدودهم عند الطلب، هذا المظهر الذى سيظهر به بجدارة خلال اجتماع مخصص للهجرة والتنمية يعقد الأحد المقبل فى روما.

النص الأصلى

التعليقات