العلويون والتطهير العرقى ومستقبل سوريا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العلويون والتطهير العرقى ومستقبل سوريا

نشر فى : الأحد 20 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 20 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

كتب فرانك سلامة ــ أستاذ دراسات الشرق الأوسط بكلية بوسطن بالولايات المتحدة الامريكية ــ مقالا بعنوان «العلويون والتطهير العرقى ومستقبل سوريا»، نُشر على الموقع الالكترونى لمركز ذا ناشونال إنتيريست “The National Interest”. يتناول فيه مستقبل سوريا واحتمالات تقسيمها.

بدأ الكاتب المقالة بأنه مهما كانت نتيجة الأزمة السورية الحالية، فإن أعمال القتل الطائفية التى استعرت طوال العامين والنصف الماضيين، ومن الممكن أن تكون قد بلغت نوبات جديدة من الوحشية فى أغسطس 2013.

وأضاف، أنه منذ أيام التمرد الأولى فى أوائل عام 2011، كانت اضطرابات سوريا تسير فى اتجاه نقطة غليان طائفية وشيكة. فما كان بشار الأسد، العلوى، أن يعيد جماعته إلى أيدى قامعيها القدامى من السُنة. واليوم، ومع كون الرد الإقليمى والدولى متماسكا أكثر من أى وقت مضى، فما زال الأسد هو الفائز فى هذا الصراع، وهو يتحمل، بقدر أكبر من التصميم، ترسيخ دولة علوية فى نهاية الأمر.

●●●

وأضاف، إن تنوع معارضة الأسد بين الإسلامويين وبعض الإصلاحيين يتخللهم الليبراليون، وجميعهم يكرهون بعضهم، ربما أكثر من كراهيتهم للأسد نفسه. وما زال جيش الأسد مواليا ومصمما فى أغلبه، وما زالت قاعدته الشعبية سليمة وملتزمة، وما زالت السياسة الأمريكية أو غيابها أكبر حليف له، وما زال آمنا بقوة على دفة الأمور. وبشار الأسد، كوالده، استراتيجى ماهر ومتحكم صبور فى الوقت، وهو مكار وقوى العزم وهادئ التفكير، وهو قاتل ماهر وسياسى محنك فى الوقت نفسه، وهى صفات افتقدها متهور كالقذافى، وحاكم فاسد كزين العابدين بن على ومحارب قديم متحجر كمبارك. وبذلك فمن غير المرجح أن يكون مصير الأسد شبيها بأى حال بمصير أى من الثلاثة، وإن كانت التوقعات تتسم بالمخاطرة فى شرق المتوسط.

ومن ناحية أخرى يضيف الكاتب، أنه من الواضح أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية والتردد وعدم التماسك الذى لاقاه فى رد العالم (وخاصة أمريكا) أمور تتطابق مع حساباته وقراءته الماهرة للسياسة الأمريكية. وليس الأسد راضيا بعدم اتخاذ أوباما لإجراء عسكرى، ومؤخرا قرار أوباما بتعهيد التعامل مع الأزمة السورية إلى روسيا وأضاف إن انعدام السياسة الأمريكية مكوِّن مهم من مكوِّنات بقاء الأسد، وربما انتصاره فى النهاية. فكلما كانت الإشارات التى يتلقاها الأسد مختلطة، كان شجاعته على إنهاء العمل أكبر.

 ويضيف الكاتب، أن الاهتمام الأكثر إلحاحا هو الحفاظ على السيطرة على «الطريق السريع الشمالى الجنوبى» الذى يربط دمشق وحمص وحماة وحلب. وليس من قبيل المصادفة أن معظم المعارك المستعرة حاليا فى سوريا تقع على هذا الممر المهم. وتتلخص أهمية ذلك فى أن الحفاظ على تلك المناطق سوف يعنى أن الأسد وجماعته نجوا من المذبحة السنية، وهذه الدولة العلوية المسلحة بأسلحة روسية وتتلقى دعما إيرانيا سوف تصبح فى النهاية ورقة مهمة فى المفاوضات بالنسبة للأسد وجماعته إذا أصبحت المفاوضات السلمية لإنهاء الصراع (والعودة إلى سوريا الموحدة) أمرا محتملا.

●●●

ويؤكد الكاتب فى هذا الصدد أن القضية الأخرى ذات الأهمية الكبيرة فى هذه الحسبة ليست مستقبل سوريا فحسب، بل إعادة تشكيل سوريا على هيئة دويلات طائفية، سوف يكون له أثر على بقية اقليم شرق المتوسط. ذلك أنه حتى إذا لم يهزم المتمردون الأسد، فمن المرجح أن يظلوا فى مناطق النفوذ الخاصة بهم التى تحددها بصورة أو أخرى خطوط المواجهة الحالية مما يمنع العودة إلى ما كان عليه الوضع من قبل. وعلاوة على ذلك، ليس للعلويين وغيرهم من الأقليات السورية، التى ظلت إلى حد كبير فى معسكر الأسد، مكان فى أى إعادة تشكيل سوريا الموحدة فى المستقبل. وهذه احتمالية تنبأ بها الأسد الأب وبدأ التخطيط لها فى أوائل الثمانينيات، بعد مذبحة حماة.

ويؤكد الكاتب على أنه يجب ألا يغيب عن نظرنا حقيقة أنه من الناحية التاريخية، وعلى عكس الاعتقاد السائد، لم يكن العلويون يرغبون فى أن يكونوا جزءا من «سوريا الموحدة» التى خرجت من الشجار الفرنسى البريطانى فى شرق المتوسط فى فترة ما بين الحربين. والواقع أنه عندما ورث الفرنسيون الولايات العثمانية فى بيروت ودمشق وحلب والإسكندرونة فى عام 1918 اختاروا تحويلها إلى ستة كيانات تتمتع بالحكم الذاتى على نحو يعكس الواقع الإدارى العثمانى السابق. إلا أنه فى عام 1920 أصبحت تلك الكيانات دولة لبنان الكبير (التى أنجبت جمهورية لبنان عام 1926)، ودولة دمشق، ودولة حلب ودولة جبل الدروز ودولة جبل العلويين (وهى ما يساوى تقريبا ما يمثله العلويون حاليا)، وسنجد الإسكندرونة (الذى ضُم إلى تركيا ليصبح محافظة هاتاى).

وأضاف الكاتب، أنه عندما بدأ القوميون العرب الضغط على البريطانيين بشأن مسألة «الوحدة العربية»، حاثين إياهم على الوفاء بالتعهدات التى قطعوها لشريف مكة أثناء الحرب العظمى، رفض العلويون ذلك. والواقع أن جد بشار الأسد، على سليمان الأسد، كان من بين الأعيان العلويين الذين ظلوا حتى عام 1944 يحاولون التأثير على سلطات الانتداب الفرنسية لمقاومة الخطط البريطانية والعربية التى تهدف إلى إقامة جمهورية جديدة تسمى سوريا. واستياء من التوقعات المستقبلية بأن ينتهى بها الحال وقد أصبحت زائدة للكيان السورى المستقبلى، ثم عقد الأسد الكبير اجتماعات متكررة مع الدبلوماسيين والمفكرين الفرنسيين وأرسل سيلا من المذكرات إلى الحكومة الفرنسية مطالبا بإلحاق دولة جبل العلويين. بعد الاعتراف القانونى بها عام 1920ـ بجمهورية لبنان، وليس أى اتحاد فيدرالى سورى فى المستقبل. وفى إحدى تلك المذكرات الموجهة إلى رئيس الوزراء الفرنسى ليون بلوم، قال على سليمان الأسد إن أى كيان سورى عربى موحد فى المستقبل سوف يوجد نظاما حاكما يسيطر عليه التعصب وعدم التسامح مع الأقليات غير العربية وغير المسلمة. كما أكد أن «روح الكراهية والتعصب الراسخة فى قلوب المسلمين العرب ضد كل ما هو غير مسلم يغذيها على الدوام الدين الإسلامى. ليس هناك أمل فى تغيير الوضع. ولذلك سوف يُعَرِّض إلغاء الانتداب الأقليات فى سوريا لأخطار الموت والقضاء عليها». وانتهت مذكرة الأسد فى عام 1936 إلى أن سوريا الموحدة سوف تعنى «استعباد الشعب العلوى؛ وربما يفكر (الفرنسيون) أنه من الممكن ضمان حقوق العلويين والأقليات بمعاهدة. ونحن نؤكد أن المعاهدات لا قيمة لها فيما يتعلق بالعقلية الإسلامية فى سوريا. ويناشد الشعب العلوى الحكومة الفرنسية ويطالب بضمان حريته واستقلاله داخل منطقة صغيرة» (فى حدود جبل العلويين).

●●●

ويختتم الكاتب المقال أن الشعور بأصداء ذلك فى سلوك بشار الأسد الآن. والذكريات راسخة فى الشرق الأوسط، وخاصة بين الأقليات المضطهدة. وما زال الأسد تراوده صدمة الحرمان التى ميزت تاريخهم. وقبل جيل واحد فحسب، كانت بناتهم فى سوريا التى يسيطر على العرب السنة يجرى بيعهن كرقيق، كى يعانين من الكد فى منازل الأعيان السنة الحضريين. وليس هذا ماضيا يرغب العلويون فى استعادته فى سوريا المستقبل التى يسيطر عليها السنة. وإذا كان ذلك يعنى تقسيم سوريا من أجل تحاشى ذلك الإخضاع، فحينئذ يكون هذا ثمنا قليلا يتم دفعه مقابل الكرامة والأمن العلويين.

وطوال نصف قرن كان العلويون يتهربون من الاضطهاد والإذلال، وقد حافظوا على سلامة الجماعة وهويتها بالهيمنة على سوريا. وقد فعلوا ذلك بحكم الدولة الموحدة تحت غطاء القومية العربية، وهى الأيديولوجيا التى أبدوها بشيء من التظاهر والمبالغة، على الرغم من أنهم لم يكونوا مؤمنين حقيقيين بها. وربما يكون اللجوء إلى الدولة العلوية المحصنة الخيار الوحيد المتبقى فى كيس حيل بشار.

التعليقات