ترامب وقمة العالم - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب وقمة العالم

نشر فى : الجمعة 26 يوليه 2019 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يوليه 2019 - 10:20 م

عادة يطلق على رئيس الولايات المتحدة تعبير: «الجالس على قمة العالم» ولقد لقى هذا اللقب رواجا بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، الذى كان يمثل القوة الموازية لأمريكا عام 1991 حيث انتهى الوجود للجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، ولقد ساهم فى ذلك السقوط رونالد ريجان الذى كان رئيسا للولايات المتحدة حينئذ بتحالفه مع بابا روما يوحنا بولس الذى سافر إلى مسقط رأسه بولندا وشارك فى الثورة ضد الشيوعية وإسقاط الحكم الشيوعى هناك، ولقد شارك فى هذا السقوط المدوى، رئيس الاتحاد السوفيتى حينئذ ميخائيل جورباتشوف الذى وصل للحكم عام 1985، وقام بإصلاح أطلق عليه البروسترويكا (إعادة الهيكلة) والجلاسنوست (الشفافية)، وهاتان السياستان أدتا إلى انهيار الاتحاد السوفيتى، وهكذا انفردت الولايات المتحدة بلقب القوة العظمى بعد أن كانا قوتين عظميين، وتوالى على عرش العالم بوش الأب، ثم بيل كلينتون، فبوش الابن، فأوباما، وأخيرا دونالد ترامب، حيث كان العالم يترقب وصول أول امرأة فى التاريخ للبيت الأبيض هيلارى كلينتون، بعد أن ترك أول رئيس أسود البيت الأبيض، لكن كانت المفاجأة ذلك الرجل الأبيض الذى لم يكن معروفا كسياسى، فهو رأسمالى أنجلو ساكسونى، وهذا التعبير يطلق على الأمريكان البيض المؤسسين لأمريكا، ومن البداية وضح أنه مختلف عن كل رؤساء أمريكا السابقين، فهو تلقائى فى طريقة سيره، وكلامه، وكثيرا لا يراعى القواعد الدبلوماسية فى لقاءاته مع الرؤساء والملوك، ولقد وضح أنه مختلف بداية من معركته الانتخابية، حيث كان منافسوه سبعة عشر منافسا أقواهم جون ماكين الجمهورى وهيلارى كيلنتون من الحزب الديمقراطى المنافس، ولقد كان ما يميز جون ماكين ويذكره دائما فى دعايته الانتخابية أنه كان محاربا شرسا فى حرب فيتنام، وكانوا يعاملونه كبطل، فإذ بترامب يبحث فى تاريخه، ويواجهه بأنه يتحالف مع الحزب الديمقراطى المنافس، وأنه كان مسجونا فى فيتنام، ليس بسبب كونه جنديا أمريكيا لكن لأسباب أخرى، ومن هنا ساءت سمعته، أما هيلارى كلينتون فقد ركزت فى دعايتها ضده بأنه يتحرش بالنساء، وقدمت أسماء النساء اللاتى تحرش بهن، فإذا به يدعو كل هؤلاء النساء التى ذكرتهن هيلارى، ويوقفهن بجانبه، وبالطبع قام هؤلاء النساء بالإدلاء بتصريحات للصحف نفين فيها تحرش ترامب بهن، بل وتمت استضافتهن، فى برامج تليفزيونية ليتحدثن فى نفس الموضوع.
***
من أهم ما يميز شخصية ترامب أنه أول رئيس أمريكى يلقى خطاباته بل وكل كلماته بدون ورقة مكتوبة مسبقا، فالرؤساء السابقون له كان لهم من يكتب لهم خطبهم فى كل المناسبات لكى تخرج هذه الخطابات معبرة تماما عما يريدون قوله بلغة رصينة وصحيحة لغويا. من أهم العوامل التى تميز شخصية ترامب، أنه نشأ فى أسرة ثرية، كان والده يعمل فى تجارة البيوت فى مانهاتن وبروكلين، وقد طلب ترامب من أبيه أن يذهب إلى نيويورك ليساعده فى عمله فى وقت ساد فيه الكساد، وهناك تعلم من هذه التجربة أمرين فى منتهى الأهمية: الأول أن الشخص الذى يتعجل أن تتحدث عنه الصحافة كثيرا لن ينجح، والأمر الثانى أن تعب البدايات مع التركيز الذهنى والإدارة الجيدة للأشخاص والأموال هى التى تصنع النجاح الحقيقى، وهكذا بدأ ترامب كرجل أعمال واقتصادى ناجح. فى تحليل من علماء نفس لشخصية ترامب أنه شخصية مقتحمة، أى يأخذ خطوات غير متوقعة يقتحم بها المشكلات التى تواجهه بفكر غير تقليدى، وهو يحفظ الدستور الأمريكى عن ظهر قلب، ويستخدمه كثيرا فى أحاديثه، ودائما يستخدم تعبير «بصفتى فاهم فى الدساتير». من أكثر الأمور التى اشتهر بها أنه أول رئيس أمريكى يتجاوز أو قل يتجاهل الصحافة ويتجه للجماهير مباشرة، مخترقا كل الحواجز من خلال نظام تويتر ليتواصل مع رجل الشارع العادى، ففى الوقت الذى يتوقع فيه الصحفيون فى تحليلاتهم خطوته القادمة أو رأيه فى أمر ما فى محاولة لتحقيق سبق صحفى، يسبقهم هو إلى قرائهم بإعلان رأيه بطريق مباشر وأسلوب فج. هذا فضلا عن أن أحدا لا يستطيع أن يتوقع قراراته المقبلة أو أفعاله وتوجهاته، فقد تعلم كيف يلعب مع الكبار وضدهم أيضا. وأقرب مثال لذلك قضية مصرع خاشقجى، حيث أخذ جانب ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، وصرح أكثر من مرة «أن محمد بن سلمان أكد له أنه لا دخل له فى هذا الأمر»، وبالطبع يرجع الكثير من موقفه، إلى صفقات السلاح بينه وبين السعودية التى تقدر بـ400 مليار دولار، وهو يعلن دائما أن هذه المبالغ سوف تصنع فارقا فى الميزانية الأمريكية، وسوف تقلل من نسبة البطالة فى المجتمع الأمريكى وهو ما حدث بالطبع، وأخيرا فعل نفس الشىء مع أمير قطر، وأخذ منه 140 مليار دولار، كثمن أسلحة، وأعلن ذلك على الملأ، وفى مؤتمر العشرين توافق مع الرئيس الصينى على جهاز هواوى وتراجع عن الحظر الذى فرضه من قبل عليه، وقام بعقد اتفاقية مع رئيس الصين، وأعلن أن الولايات المتحدة حققت أرقاما قياسية فى الرواج الاقتصادى فى العام الأخير، وقد أطلق على صفقة هواوى «العملاق يعود» حيث اتفقت أمريكا والصين على استئناف المفاوضات التجارية، لتخفيف حدة الخلاف الاقتصادى الممتد بينهما، وقد علقت شركة هواوى على قرار ترامب على تويتر بتعبير«منعطف عكسى» يشير إلى أن دونالد ترامب سيسمح لهواوى بشراء التكنولوجيا الأمريكية مرة أخرى».
***
بلا شك أن الملاحظ أن الاقتصاد الأمريكى قد تحسن فى عهد ترامب، فهناك حركة رواج وبيع وشراء ملحوظين، وهبطت درجة البطالة إلى مستوى لم تصله منذ خمسين عاما، ولقد زادت نسبة السود والسيدات فى العمالة، كما لم يحدث من ثلاثين عاما.
ولقد جاء ترامب عكس أوباما فى موقفه من قصة حقوق الشواذ والإجهاض، فبينما صرح أوباما بأن تكون هناك دورة مياه (نوعية ثالثة) بجوار دورة النساء ودورة الرجال لاستخدام الشواذ والمتحولين جنسيا، رفض ترامب ذلك تماما، وهو يقف ضد تدريس حقوق الشواذ فى المدارس، وضد تعريف الأسرة كما يريد مؤيدو الشواذ بأنه زواج بين شخصين بدون تحديد جنس الطرفين، ويقبل تعريف الأسرة بالزواج بين ذكر وأنثى، رجل وامرأة.
يقول بعض المحللين: إن اندفاع ترامب وإطلاق قراراته وآراءه على الهواء مباشرة أو على تويتر يقلل من هيبة أمريكا فى الخارج إلا أن البعض الآخر احترموا فكرة أنه من المهم عدم تسريب الخطوات القادمة له، وهكذا تكون المفاجأة التى تصيب أعدائه بالشلل. والسؤال المطروح الآن: هل سيعاد انتخاب ترامب ثانية؟ البعض يقول: إنه رجل خطواته غير متوقعة، وبالتالى مرة تصيب ومرة تخيب، والمؤيدون له يقولون: المرات التى أصابت أكثر من التى خابت لذلك سيعاد انتخابه، أما المعارضون فيقولون العكس، أما العقلاء فيقولون لماذا نجازف مع رجل يلعب القمار فى السياسة؟!.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات