إطلاق العنان لإمكانات التكنولوجيا الصحية لصالح الجميع - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إطلاق العنان لإمكانات التكنولوجيا الصحية لصالح الجميع

نشر فى : الجمعة 27 أكتوبر 2023 - 8:15 م | آخر تحديث : الجمعة 27 أكتوبر 2023 - 8:15 م

نشر موقع Project Syndicate مقالا للكاتبة ماريانا مازوكاتو، تناولت فيه دور تكنولوجيا الحمض النووى الريبى المرسال (mRNA) فى مواجهة جائحة كورونا، ودور هذه التكنولوجيا فى توفير علاجات ولقاحات لأمراض عدة غير وباء فيروس كورونا. ولكن ــ من المؤسف ــ أن الاستفادة الكبرى من هذه التكنولوجيا كانت لصالح الدول المتقدمة عن الدول النامية، إذ استحوذت دول العالم الأول على أكبر عدد من جرعات اللقاحات لنفسها. لذا تدعو الكاتبة إلى ضمان التوزيع العادل للعلاجات واللقاحات الحديثة وقت الأوبئة فى مختلف دول العالم مع إتاحة تمكين الباحثين والمصنعين والحكومات فى البلدان النامية من تشكيل أنظمة البحث والتطوير والتصنيع الإقليمية على النحو الذى يخدم الصالح العام.. نعرض من المقال ما يلى.
فى الآونة الأخيرة، عادت حالات الإصابة بمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد ــ 19) إلى الارتفاع مرة أخرى، وهذا يشكل تَـذكِـرة صارخة بالدروس التى كان من الواجب علينا أن نتعلمها من الموجات السابقة. أغلب هذه الدروس لا تقتصر على كوفيد، بل تنطبق على التهديد الذى تفرضه الأمراض المعدية فى عموم الأمر.
لقد أثبتت الجائحة أننا نمتلك القدرات العلمية والتصنيعية اللازمة لتطوير وإنتاج لقاحات آمنة وفَـعّـالة بكميات ضخمة وبسرعة فى مواجهة تهديدات جديدة. لكن نجاح لقاحات كوفيد ــ 19 عكس أيضا عشرين عاما من الجهود الدءوبة التى بذلها العلماء فى الأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص؛ وعندما أتت لحظة الحقيقة، كان ضخ الأموال العامة فى الوقت المناسب كفيلا بدفع هذا العمل إلى خط النهاية.
لو كانت هناك تكنولوجيا واحدة لعبت دورا محوريا بشكل خاص فى هذا الأمر، فهى تكنولوجيا الحمض النووى الريبى المرسال (mRNA)، التى توفر مستوى من القدرة على التكيف والقابلية للتوسع يجعلها مناسبة تماما لجهود التأهب والاستجابة للجوائح الـمَـرَضية. وبالفعل، يجرى الآن اختبار لقاحات وعلاجات الحمض النووى الريبى المرسال لمجموعة واسعة من الأمراض، وتتواصل الجهود لتوسيع نطاق استخدام هذه التكنولوجيا (من خلال تحسين استقرار درجة حرارتها، على سبيل المثال). وعندما يضربنا الوباء الفيروسى التالى، ستكون لقاحات الحمض النووى الريبى المرسال فى الأرجح أول الحلول التى تخرج من البوابات.
• • •
ولكن برغم أن هذا الإنجاز العلمى أنقذ أعدادا لا تُحصى من الأرواح أثناء الجائحة الأخيرة، فإن تقاسم الفوائد لم يكن عادلا. فبعد عام واحد من طرح لقاحات كوفيد ــ 19، كان ما يقرب من 73% من الجرعات المقدمة محصورا فى البلدان المرتفعة الدخل وذات الدخل المتوسط الأعلى، فى حين وصل 0.9% فقط منها إلى البلدان المنخفضة الدخل.
كان هذا التفاوت أشد وضوحا عندما نتحدث عن لقاحات mRNA، التى كانت تستخدم فى المقام الأول فى بلدان غنية كانت حريصة عل تخزين الإمدادات فى مستهل الأمر. من ناحية أخرى، حرصت شركات الأدوية على فرض رقابة مشددة على الترخيص والإنتاج، مما سمح لها بجنى أرباح مذهلة.
وعلى هذا فإن درسا آخر مستفادا من الجائحة يتلخص فى حقيقة مفادها أن منصة تكنولوجيا الحمض النووى الريبى المرسال لن تحقق كامل إمكاناتها ما لم نتبن نهجا جديدا يؤكد على الوصول العادل والصالح العام. وهذا يعنى السعى إلى إقامة تحالفات تكافلية بين القطاعين العام والخاص على أن تكون أفضل تصميما لتقاسم المخاطر والمكافآت.
عندما تستفيد الشركات من الأموال العامة ــ سواء كانت إعانات دعم، أو ضمانات، أو قروضا، أو التزامات شراء، أو عقود مشتريات ــ يجب أن يكون ذلك مشروطا بعملها على تعظيم القيمة العامة لمثل هذه الاستثمارات. على سبيل المثال، من الممكن أن تضمن شروط التمويل العام لمشاريع البحث والتطوير والإنتاج والتوزيع المرتبطة بالحمض النووى الريبى المرسال الإتاحة بتكلفة ميسورة، والقدرة على الوصول العادل، وإعادة استثمار الأرباح فى الإبداع الصحى. لا ينبغى لتكنولوجيات الحمض النووى الريبى المرسال الناتجة عن جهد جماعى أن تكون تحت السيطرة القصرية لعدد قليل من الشركات الخاصة؛ بل ينبغى اعتبارها جزءا من المشاعات الصحية العالمية، وإتاحتها وجعلها فى متناول كل من يحتاج إليها.
تُظهِر مقارنة بين لقاحى أكسفورد ــ أسترازينيكا وفايزر ــ بيونتيك (mRNA) مدى أهمية توجيه الأمر على هذا النحو. تلقت هاتان الشراكتان تمويلا عاما ضخما ــ 445 مليون دولار لشركة بيونتيك و1.3 مليار دولار لشركة أكسفورد ــ أسترازينيكا ــ واستفادت كل منهما من التزامات الشراء المسبق الكبيرة. ولكن فى حين كان التمويل العام لإنتاج لقاح أكسفورد ــ أسترازينيكا مشروطا بتحديد الشركة لأسعار أقل للقاح بغرض تمكين الوصول إليه، فقد سُمِح لشركة فايزر ــ بيونتيك بتحديد أسعار أعلى، ثم رفضت الشركة الدعوات الموجهة إليها لتقديم اتفاقيات الترخيص ونقل التكنولوجيا. فى المرة القادمة، يتعين على الحكومات أن تتأكد من أن أحكام العقود تعكس الصالح العام وتنظم عملية جنى الأرباح الزائدة.
على نحو مماثل، ينبغى لجهود حوكمة الملكية الفكرية أن تسعى إلى تسهيل عمليات نقل المعرفة بين البلدان، لصالح المزيد من الإبداع والتصنيع اللامركزى. نحن فى حاجة ماسة إلى إعادة تصميم قواعد وممارسات الملكية الفكرية لضمان إدارة التكنولوجيات الصحية الـحَـرِجة ــ وخاصة تلك التى تعتمد بدرجة كبيرة على أموال دافعى الضرائب ورأس المال البشرى (من الباحثين إلى المشاركين فى التجارب السريرية) ــ على نحو يحقق الصالح العام. ولهذا السبب، دعا مجلس اقتصاديات الصحة للجميع التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذى أتولى رئاسته، إلى إدارة براءات الاختراع المرتبطة بتكنولوجيات الحمض النووى الريبى المرسال من منظور الصالح العام، وليس منظور الـمِـلكية.
• • •
فى الممارسة العملية، يعنى هذا أن معايير منح براءات الاختراع ــ بما فى ذلك براءات الاختراع الثانوية ــ لابد أن تكون أكثر صرامة، بما فى ذلك من خلال اشتراط الكشف الإضافى عن المعلومات التى قد تساعد الحكومات فى تقييم حجم القوة السوقية التى تمنحها للمستفيدين من خلال براءات الاختراع. ينبغى لبراءات الاختراع أيضا أن تغطى فقط ابتكارات وإبداعات جديدة جوهريا، ولابد أن تقتصر على التكنولوجيات النهائية، من أجل منع خصخصة أدوات وعمليات ومنصات البحث الأساسية. يجب أن يكون الغرض من الإبداع الطبى هو تحسين «الصحة للجميع» ــ وهى مهمة منظمة الصحة العالمية المركزية ــ وهذا يتطلب تعزيز الوصول إليه فى الوقت المناسب وعلى نحو عادل.
تشكل القدرة على الوصول إلى الملكية الفكرية الأساسية ورأس المال أمرا شديد الأهمية لإنشاء البنية الأساسية المحلية والإقليمية اللازمة لإنتاج المنتجات القائمة على الحمض النووى الريبى المرسال. وقد أدركت منظمة الصحة العالمية هذه الحاجة بوضوح، فأطلقت برنامجا لنقل تكنولوجيا الحمض النووى الريبى المرسال، وأقامت له مركزا فى جنوب أفريقيا، كما أقامت شراكات جديدة لتقاسم التكنولوجيا بين الشركات فى 15 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل على الأقل.
ولكن تظل الحاجة قائمة إلى الدعم المالى والسياسى القوى لضمان نجاح هذه المبادرة. على سبيل المثال، تستطيع حكومات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أن تتخذ خطوة إضافية بإنشاء مراكز إقليمية لمشاريع البحث والتطوير لتعزيز التعاون بين القوى الفاعلة فى القطاعين العام والخاص فى مشاريع البحث والتطوير المشتركة.
فى عموم الأمر، مع تجدد اهتمام الحكومات بالسياسة الصناعية، ينبغى لها أن تدرك الفرصة المتاحة لحشد قدر أعظم من الاستثمار، والإبداع، والنمو حول هدف الصحة للجميع. يُحسَب للبرازيل أنها عملت بالفعل على المواءمة بين جهود التأهب والاستجابة للجوائح الـمَـرَضية والسياسة الصناعية عبر مجمعها الاقتصادى الصناعى الصحى، الذى سيستخدم المشتريات العامة لإنشاء سوق محلية للقاحات الحمض النووى الريبى المرسال المطورة محليا، وهذا من شأنه أن يحقق فوائد صحية واقتصادية على جانب عظيم من الأهمية.
مع إحراز تقدم فى المفاوضات الدولية بشأن اتفاق الوقاية من الجوائح الـمَـرَضية والتأهب والاستجابة لها، يجب أن تحتل قضية ضمان الوصول العادل فى الوقت المناسب إلى تدابير المكافحة الطبية ــ بما فى ذلك تكنولوجيات الحمض النووى الريبى المرسال ــ مركز الصدارة. تتمتع منصة تكنولوجيا الحمض النووى الريبى المرسال بإمكانات هائلة فى ما يتصل بتقديم علاجات ولقاحات رائدة للأمراض التى تصيب البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل فى المقام الأول ويمكن إنتاجها محليا بأسعار معقولة فى ظل نظام الملكية الفكرية الملائم.
لبناء هذا الشكل من المرونة والقدرة على الصمود، يتعين علينا أن نعمل على تمكين الباحثين والمصنعين والحكومات فى تلك البلدان من تشكيل أنظمة البحث والتطوير والتصنيع الإقليمية على النحو الذى يخدم الصالح العام. آنذاك فقط يتسنى لتكنولوجيا الحمض النووى الريبى المرسال تحقيق كامل إمكاناتها.

النص الأصلي

التعليقات