ثمانون عاما على حادث 4 فبراير - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 4:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثمانون عاما على حادث 4 فبراير

نشر فى : الثلاثاء 1 فبراير 2022 - 8:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 فبراير 2022 - 8:45 م
جثم الاستعمار البريطانى على أرض مصر لمدة أربعة وسبعين سنة، عاث خلالها ظلما وفسادا وإجراما فى البلاد والعباد. ومن ضمن جرائم الاستعمار العديدة تبرز حادثتان لهما مرارة خاصة لا تنمحى من ذاكرة الشعب المصرى. الأولى حادثة دنشواى فى يوم 13 يونيو 1906 وسنعود لها إن شاء الله فى مقال لاحق. وأما الحادثة الثانية فسنتداولها هنا بمناسبة مرور ثمانين سنة على وقوعها وهى حادث 4 فبراير 1942 عندما حاصرت الدبابات الإنجليزية قصر عابدين واقتحم السفير البريطانى سير مايلز لامبسون والجنرال روبرت ستون قائد القوات البريطانية فى مصر مكتب الملك فى الدور الثانى من القصر، وقدما للملك مرسوما يقضى بتعيين مصطفى النحاس باشا رئيسا للوزراء، وخيراه بين ذلك وبين إقالته عن العرش. وقع فاروق المرسوم صاغرا بعد تشجيع من رئيس ديوانه أحمد حسنين باشا. شكل هذا الحدث انتهاكا صارخا لسيادة مصر وكرامة ملكها. فلماذا أقدم السفير البريطانى على هذا العمل الأرعن الطائش الذى تحفظ عليه العديد من الساسة والعسكريين البريطانيين خوفا من رد الفعل لدى الجيش والشعب المصرى؟
لكى نجيب عن هذا السؤال علينا أن نتعرف على الأشخاص والأحداث المحيطة بالحادث.
• • •
أما عن الأشخاص فأولهم السفير البريطانى لامبسون المتزوج من إيطالية تصغره بثلاثين عاما وكانت له حساسية خاصة لإثبات ولائه فى وقت انضمت فيه إيطاليا إلى المحور وتحارب ضد بريطانيا، وكان يكن كراهية شخصية لفاروق بعد أن نصحه بإبعاد أفراد حاشيته الإيطاليين، فرد عليه فاروق بأنه سيتخلص من الإيطاليين المحيطين به بعد أن يتخلص هو من الإيطاليين المحيطين به ــ إشارة إلى زوجته ــ وكان يتعمد الاستهزاء بفاروق أمام الآخرين ولا يشير إليه إلا بلفظ الصبى.
أما فاروق فقد كان فعلا صبيا لم يبلغ من العمر الثانية والعشرين عاما ولم يتلق القدر اللازم من العلم الذى يؤهله لحكم مصر، فلم يعرف شيئا عن تاريخها وأمجادها القديمة ولعله تأثر بمسلك أجداده توفيق الذى أصدر مرسوما بحل الجيش المصرى عشية معركة التل الكبير ودخل القاهرة فى حماية الجيش الإنجليزى بعد هزيمة عرابى وحسين كامل الذى قبل عرش مصر بعد أن خلع الإنجليز الخديوى عباس على أسنة حرابهم.
ولابد أنه كان يشعر أن ولى عهده الأمير محمد على توفيق كان يفرك يديه فرحا بالفرصة التى تتيح له العرش الذى كان يتمناه.
هذا عن الأشخاص، أما عن الأحداث فقد كانت سنة 1942 سنة فارقة فى تاريخ بريطانيا التى باتت محاصرة بعد أن احتلت ألمانيا أوروبا من جبال الأورال إلى جبال البرانس، وبعد أن كانت تحكم البحار فرضت الغواصات الألمانية حصارا عليها، وبعد أن كانت متخمة بخيرات مستعمراتها صارت تتضور جوعا.
فى ظل هذا المناخ اقتربت القوات الألمانية من الحدود المصرية، وتذكر بعض المصادر أن الإنجليز أصيبوا بالذعر ووضعوا خططا بفتح القناطر والسدود لإغراق الدلتا لمنع القوات الألمانية من اجتياحها والوصول إلى قناة السويس. وكانت بريطانيا تشعر بقلق شديد من موقف مصر من الحرب، فرغم أنها قطعت علاقاتها بألمانيا يوم 4 سبتمبر 1939 بعد إعلان بريطانيا الحرب بيوم إلا أنها لم تعلن الحرب عليها إلا فى مايو 45 بعد أن كانت الحرب قد حسمت فعليا، ولعل ذلك يرجع إلى تنافس بين القوى السياسية، فحزب الوفد بقيادة مصطفى النحاس بحسه السياسى يرى أن الشعب يعارض الحرب إلى جانب بريطانيا فى حين أن المنافس الرئيسى للوفد الكتلة السعدية بقيادة أحمد ماهر والأحرار الدستوريين بقيادة محمد حسين هيكل حبذوا دخول الحرب بدعوى أن ذلك سيدعم الجيش بالسلاح ويدعم موقف مصر السياسى بعد الحرب.
ولابد أن المخابرات البريطانية رصدت الرسالة التى أبلغها سفير مصر فى طهران يوسف باشا ذو الفقار صهر الملك فاروق إلى السفير الألمانى وتضمنت تعاطف الملك مع هتلر وتمنياته بانتصار ألمانيا فى الحرب، فضلا عن رسالة أخرى بذات المعنى من الملك سلمها أحمد ماهر إلى الوزير المفوض على سرى للخارجية لإيصالها إلى الجانب الألمانى وامتد القلق أيضا إلى موقف الجيش المصرى بعد القبض على عزيز باشا المصرى ومعه حسين ذو الفقار صبرى وعبدالمنعم عبدالرءوف عندما سقطت الطائرة التى كانوا ينوون الهروب بها للاتصال بالألمان، ومن المرجح أيضا أن الإنجليز أيضا كانوا يرصدون الاتصالات التى يجريها أنور السادات مع الألمان عن طريق الجاسوس ابلر والتى أدت لاعتقاله لاحقا فى شهر أغسطس.
وفى نفس الوقت كان الشعور الشعبى معبأ ضد الإنجليز رافضا لدخول الحرب إلى جانب بريطانيا عبر عنه الشيخ مصطفى المراغى شيخ الأزهر بقوله إن هذه الحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
بلغت مخاوف بريطانيا مداها عندما خرج طلبة جامعة القاهرة يهتفون «تقدم يا رومل»، وعندما فشل رئيس الوزراء حسين سرى فى السيطرة على المظاهرات قدم استقالته وكان الاتجاه نحو تشكيل حكومة ائتلافية إلا أن الإنجليز رأوا تعيين حكومة وفدية برئاسة النحاس باشا لقناعتهم بأنه الوحيد الذى يملك الشعبية للسيطرة على الأمور لحماية ظهرهم أثناء مواجهتهم لقوات رومل. فلما تردد فاروق فى الاستجابة، تحرك السفير ومعه قائد القوات لمواجهة الملك وفرض إرادتهم بالقوة.
قدم أحمد ماهر باشا رسالة احتجاج شديدة إلى السفير البريطانى باسم البرلمان واصفا ما حدث بأنه انتهاك صارخ لاستقلال مصر وسيادتها وكرامتها. وفى نفس اليوم توجه ضابط شاب برتبة الصاغ (رائد) اسمه محمد نجيب إلى قصر عابدين وقدم استقالته إلى الملك قائلا إن ضميره لا يسمح له باستمرار ارتداء بذلته العسكرية بعد أن عجز عن صد العدوان الإنجليزى على ملك البلاد. وقد أقنعه الملك وزملاؤه بسحب الاستقالة واستمرت خدمته بالجيش حتى وصل إلى رتبة اللواء وصار لاحقا أول رئيس لجمهورية مصر العربية.
وعلى المستوى الشعبى أدى الحادث إلى هبوط كبير فى شعبية النحاس باشا، وعبر رسام الكاريكاتير الشهير رخا عن الموقف برسم يصور النحاس باشا على دبابة بريطانية تقتحم أسوار مجلس الوزراء وتحرك النحاس والوفد بنشاط ليؤكد أنه قبل تشكيل الوزارة للحفاظ على عرش الملك. ويقول السفير البريطانى مايلر لاسبون أن النحاس توجه فى اليوم التالى لمقابلته فى السفارة ليخطره بتمام توليه الوزارة. وزايدت الأحزاب الأخرى والسياسيون على الوفد والنحاس آملين فى رفع شعبياتهم على حسابه. وتشير بعض المصادر إلى أن شعبية الملك تزايدت بعد الحادث لتعاطف الشعب العاطفى بطبيعته مع الملك الشاب الذى أهين.
• • •
مرت السنون حتى بلغت ثمانين سنة على هذه الواقعة ودعونا نتصور سيناريو مخالفا لما حدث. ما كان سيحدث لو رفض الملك إنذار السفير واشتعل الغضب والحماس فى عروق الشاب وتوجه إلى الاستوديو الإذاعى فى قصر عابدين، والتى أكدت العديد من المصادر وجوده، وأذاع بيانا على الشعب يطلب نجدته وهو محاصر.
ماذا لو رفض النحاس باشا تشكيل الوزارة على أسنة رماح الإنجليز؟ ماذا لو تضامنت الأحزاب السياسية مع الوفد فى وفضه تولى الوزارة على أسنة حراب الإنجليز بدلا من المزايدة عليه؟ ماذا لو أعلن الأمير محمد على توفيق ولى العهد رفضه الجلوس على العرش بهذا الأسلوب؟
أسئلة توضح أنه كان هناك مواقف أخرى ممكن اتخاذها قطعا كانت ستردع الإنجليز عن غيهم.
لعل العنصر الإيجابى لحادث 4 فبراير أنه أثبت للشعب والتاريخ أن النظام السياسى فى مصر قد اهترأ وأن الثورة قادمة لا ريب فيها.
محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات