التغير المناخي والتوازن البيئي - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التغير المناخي والتوازن البيئي

نشر فى : الخميس 1 ديسمبر 2022 - 8:05 م | آخر تحديث : الخميس 1 ديسمبر 2022 - 8:05 م

عقد فى شرم الشيخ فى شهر نوفمبر الماضى المؤتمر الدولى للمناخ الذى عرف باسم COP 27. إن الرقم دلالة على عدد الجلسات السابقة التى عقدت منذ المؤتمر الأول فى مدينة برلين الألمانية فى عام 1995، أما الحروف فهى اختصار لـ conference of the parties أو مجلس الشركاء فى الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغير المناخى.
لعل إدراك العالم بمخاطر التغير المناخى كان نتيجة اكتشاف العالم البريطانى Jonathan Shanklin لثقب الأوزون فى عام 1985، وكان شانكلن يعمل ضمن فريق علمى تابع لـ British Antarctic Survey وهى هيئة علمية بريطانية تعمل فى قارة أنتاركتيكا المتجمدة الجنوبية ونشر اكتشافه فى مجلة nature العلمية.
زادت المخاوف عندما لوحظ أن مستوى سطح البحر ارتفع خلال المائة عام الماضية بعشرين سنتيمترا وأكد القمر الصناعى Jasonــ3 الذى أطلق بتعاون أمريكى أوروبى سنة 2016 هذا الأمر، إن المستوى مستمر فى الارتفاع وذلك بسبب ارتفاع حرارة الجو التى أدت إلى ذوبان جليد المناطق القطبية وانسكابه فى البحار.
كل ذلك كان بسبب التلوث المناخى الناجم عن انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الأحفورى من الفحم والبترول منذ بداية الثورة الصناعية منذ أكثر من مائتى عام. وعلى الرغم من المواجهة بين الدول الصناعية والدول النامية عن المسئول عن الحالة التى وصل إليها المناخ وحق الدول النامية فى التعويض، فقد توصل المؤتمر إلى نتيجة غير مسبوقة بإنشاء «صندوق الخسائر والأضرار» وليسمح لى الأستاذ الجليل الدكتور نبيل الهادى، الذى أحرص على متابعة مقالاته لأستمتع بعرضه وأستفيد من علمه، أن أستعير ما نقله عن جريدة الجارديان التى وصفت نتيجة المؤتمر بأنه «بحق إنجاز تاريخى ولكنه لا يكفى» وهنا يظهر السؤال: ما الذى يكفى وما هو المطلوب لتحقيقه؟
• • •
لعل أول المطلوب هو تناول المناخ فى الإطار الأشمل وهو التوازن البيئى فالملاحظ أن المؤتمر ركز على الانبعاث وكأن هناك إهمال للجانب الآخر من القضية وهو الامتصاص. المقصود بالامتصاص هو التطهير الطبيعى للمناخ من ثانى أكسيد الكربون بواسطة الأشجار والغابات الطبيعية، وإذا كنا نشير بأصابع الاتهام إلى الثورة الصناعية التى بدأ معها حرق الوقود الأحفورى فإن مشكلة الامتصاص أقدم وبدأت فى القرن السادس عشر قبل الثورة الصناعية بثلاثة قرون مع وصول المستوطنين الأوروبيين إلى العالم الجديد فبدأوا فى قطع أشجار أمريكا الشمالية لاستخدام أخشابها فى البناء، وقد قطع المستوطنون الأوروبيون نصف غابات الولايات المتحدة فى الفترة من عام 1600 إلى 1872 وفى هذه الفترة استخدم رجال الأعمال، الذين استثمروا أموالهم فى تجارة الأخشاب، خبراء الدعاية فى الترويج بأن الغابات مصدر للأوبئة والأمراض بسبب الحشرات التى تكثر فيها وإن المصلحة العامة تدعو إلى قطعها! ولعله ليس من المستغرب أن يكون البطل الخيالى فى الفولكلور الأمريكى هو Paul Bunyan الذى تحكى الأساطير أنه كان يقطع أكبر شجرة بضربة واحدة من فأسه وينتقل من ولاية بعد أن يأتى على أشجارها إلى ولاية أخرى ليستأنف عمله. منذ بداية القرن السادس عشر تتسابق الدول الأوروبية الكبرى لبناء الأساطيل لخدمة أهدافها الاستعمارية عبر البحار. فى عام 1588 بَنت إسبانيا أسطولها العظيم المسمى الـArmada لتغزو بريطانيا وقطعت الغابات التى كانت تشغل وسط شبه جزيرة أيبيريا، فضلا عن غابات الأراضى المنخفضة هولندا وبلجيكا التى كانت تحتلها إسبانيا فتحول وسط إسبانيا إلى صحراء وتغيرت طبيعة الأراضى الواطنة.
الدولة الأخرى التى تتعرض غاباتها لمذبحة مروعة هى البرازيل حين أنشأت الحكومة فى عام 1964 المؤسسة الوطنية للاستيطان والإصلاح الزراعى National institution for colonization and agrarian reform بفرض تحويل الغابات إلى مزارع ومراعى وفى سبيل ذلك قطعت آلاف الهكتارات من الغابات بشكل صار يهدد الغابات المطيرة لحوض الأمازون التى تمثل رئة العالم. أما فى أفريقيا فيقدر أن القارة فقدت فى الفترة من (1990 إلى 2010) 75 مليون هكتار من الغابات سنويا.
لعل من الدروس التى يجب علينا أن نعيها من مغبة التغييرات التى نجريها على البساط الأخضر للأرض وهى ظاهرة «وعاء الغبار» dust bowl التى وقعت فى الولايات المتحدة فى ثلاثينيات القرن الماضى نتيجة لتحويل أراضى برارى وسط البلاد إلى الزراعة وإزالة الحشائش التى كانت تحافظ على التربة وأثارت الرياح زوابع ترابية حملت معها التربة حتى أظلمت السماء تماما؛ وبلغت أوجها يوم 14 أبريل عام 1935 الذى أطلق عليه اسم الأحد الأسودBlack Sunday بسبب الإظلام التام الذى حدث وتسببت هذه الظاهرة فى تبوير مئة مليون من الأراضى الزراعية، ورغم خطورة العوامل السابقة يظل التزايد السكانى المتسارع التهديد الأكبر للتوازن البيئى وسلامة الكوكب بعد تعدى سكان العالم ثمانية بلايين نسمة.. وإذا كان هذا الرقم صادما فإن التسارع الكبير الذى أوصلنا إليه يصدمنا أكثر.
فقد بلغ سكان العالم بليون نسمة فى عام 1804 واستغرق ذلك تاريخ البشرية منذ أن عمر الإنسان الأرض. وتحقق البليون الثانى فى عام 1927 والثالث سنة 1960 والرابع سنة 1974 والخامس سنة 1987 والسادس سنة 1999 والسابع سنة 2011، وتشير الدراسات إلى أن الإنسان يحتاج إلى إنتاج خمسة فدادين لتوفير احتياجاته فى الحياة، فهل تستطيع البشرية مواجهة ذلك دون المزيد من الافتئات على الغابات واستخدام المزيد من المخصبات والمبيدات التى تلوث البيئة وتهدد الحياة البرية؟
لعل أخطر ما نتعرض له هو عبث الشركات التجارية العملاقة بالتركيبات الجينية للبذور الزراعية والمنتجات الحيوانية بدعوى توفير منتج أوفر ومقاوم للآفات والأمراض دون التعرف على الآثار بعيدة المدى لهذه المنتجات.
يسير جنبا إلى جنب مع ذلك التلوث الكبير الجارى فى المحيطات بالبلاستيك الذى يهدد الحياة فى البحار التى تمثل الاحتياطى الاستراتيجى للغذاء والمياه للإنسانية.
• • •
من المهم لنجاح أى مبادرة للتحكم فى انبعاث ثانى أكسيد الكربون وتأثيره على المناخ وجود آلية للقياس والرصد ومن المهم التنويه إلى أهمية قارة أنتاركتيكا التى تم من خلالها رصد ثقب الأوزون لأول مرة، ولأهمية موقعها يوجد عليها سبعون محطة أبحاث علمية تابعة لـ 29 دولة منها الولايات المتحدة وكندا وروسيا والصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية ودول الاتحاد الأوروبى ودول أمريكا الجنوبية وتركيا وباكستان لرصد أى تغييرات فى البيئة والمناخ وللأسف لا يوجد تمثيل لأى دول عربية رغم أن الجليد القطبى يمثل أكبر تجمع للمياه العذبة فى العالم، لعل العرب ينتبهون لذلك وننشئ محطة عربية مشتركة فى هذا المكان الحيوى.
بعد 27 سنة من الاجتماع الدولى لقمم المناخ لا زال الجدل محتدما بين الدول الصناعية والنامية كل طرف يتهم الآخر بأنه السبب فيما وصل إليه الكوكب، الدول النامية تقول أن الانبعاث المنطلق من الدول الصناعية لبناء إمبراطورياتهم الصناعية أفسد مناخ الأرض، أما الدول الصناعية تقول أن الزيادة السكانية فى البلاد النامية مسئولة عن تردى البيئة وأن الانبعاث الحرارى الآن تساهم فيه البلاد التى لا تعد من البلاد الصناعية. من المفارقات أن دول الخليج يفوق متوسط الانبعاث الكربونى للفرد فيها المتوسط فى الدول الصناعية الذى يبلغ 15.5 طن فى الولايات المتحدة و18.6 فى كندا بينما يبلغ 25.6 فى الكويت و37.3 فى قطر صحيح أن الفرق الكبير فى عدد السكان يجعل الحجم المطلق فى الدول الصناعية الكبرى أكبر كثيرا إلا أنه نمط سلوكى واضح يمكن للطرفين تبادل الاتهامات وتجريم الطرف الآخر ويستمر التدهور فى البيئة حتى يموت الكوكب ويهلك سكانه أو يمكنهم أن يتعاونوا لإنقاذ كوكبهم الذى يحيون على سطحه.
فهل تسود الحكمة ونتعاون من أجل نجاة الجميع؟

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات