الولايات المتحدة.. دولة منقسمة على نفسها - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الولايات المتحدة.. دولة منقسمة على نفسها

نشر فى : الأحد 17 يوليه 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الأحد 17 يوليه 2016 - 9:55 م
أسكتوا بيرنى ساندرز وأزاحوه من المعركة الانتخابية رغم أنفه.. المنافس الوحيد فى الحزب الديمقراطى الذى تحدى كلينتون وكان مصمما على أخذ معركته إلى مؤتمر الحزب فى نهاية يوليو الحالى بغية تغيير توجهات الحزب الديمقراطى وإدخال تعديلات على برنامجه بما يجعله أكثر تعاطفا مع الطبقة المتوسطة والدنيا.. أسكتوا ساندرز ولم يعد له صوت، لأنهم أدركوا أن استمراره كان سيحدث ضررا جسيما لكلينتون ويعمل على تشتيت ناخبى الحزب الديمقراطى. نجحت كلينتون فى استئصال ساندرز من المعركة الانتخابية، وهو ما يحسب لها كسياسية محنكة. فمما لا شك فيه أن ساندرز كان يسبب لها حرجا شديدا ويعيق تقدمها، فما كان لها إلاّ أن لجأت للرئيس أوباما شخصيا الذى أجرى مقابلة مع ساندرز لم يفصح كثيرا عن مضمونها. وجاء انسحاب ساندرز بعدها، ولعل الرئيس أوباما نصحه بضرورة توجيه الجهد كله دعما لكلينتون والحفاظ على تماسك الحزب فى هذه الانتخابات العصيبة. بيد أنه ليس معروفا ما حصل عليه ساندرز فى المقابل، وهو ما سوف تثبته لنا الأيام.

***

كما أسقط مكتب التحقيقات الفيدرالى الاتهامات التى كانت موجهة إلى كلينتون، وخرج المكتب على الملأ ودون استحياء لتبرئة كلينتون من تهمة تعريض معلومات سرية للخطر إزاء استخدام بريدها الإلكترونى الخاص فى مراسلاتها الرسمية، أثناء توليها منصب وزير الخارجية. وأعلن مكتب التحقيقات أن كلينتون لم تخطئ، مرددا ما دفعت به دفاعا عن نفسها بأن هذا كان العرف السائد ولم يُلَمْ عليه أحد من قبل، وكأن خطأ الآخرين يعتبر مبررا لخطئها. وأضافت أن مراسلاتها كانت موجهة إلى شخصيات بارزة فى الإدارة بمن فيهم الرئيس الأمريكى نفسه، بما قد يعنيه ذلك ضمنيا أن أى اتهامات موجهة لها سوف تصيب الرئيس شخصيا. وكأن مكتب التحقيقات الفيدرالى فى ذلك يلقى اللوم كله على الحزب الجمهورى والصحافة الأمريكية لافتعالهما أزمة لا أساس لها من الصحة رغبة فى النيل من هيلارى كلينتون. ونجحت كلينتون مرة أخرى فى أن تظهر نفسها فى شكل الضحية وليس الجلاد.

ولا شك أن ما قامت به كلينتون من إزاحة ساندرز وحصولها على تبرئة مطلقة من مكتب التحقيقات الفيدرالى يعزز من موقفها فى معركتها ضد ترامب ويعتبر مؤشرا حقيقيا لقدراتها على المناورة، ويحسب لها استعدادا لخوض المعركة الشرسة التى فى انتظارها. غير أن هذه النجاحات وحدها لا تكسبها بالضرورة ثقة الناخب. بل تطرح هذه النجاحات ــ على العكس من ذلك ــ تساؤلات عديدة إجاباتها مبهمة وغير واضحة. فهل نجاحها فى استبعاد ساندرز، الذى أبدى استعداده لمساندة حملتها فى بعض الولايات التى سبق أن فاز بها، هل ذلك كفيل بجذب مؤيديه لتأييدها؟ هل فى استطاعته فعلا إقناعهم؟ خصوصا أننا مازلنا نتذكر أثناء المعركة الأولية كيف أن مؤيدى ساندرز من الشباب والطبقة العاملة أبدوا عدم ثقتهم فى كلينتون وأنهم يفضلون عدم الإدلاء بأصواتهم على أن يصوتوا لصالحها. فهيلارى كلينتون ــ بصفة عامة ــ شخصية غير محبوبة بين الكثيرين وليست أهل ثقة.

أضف إلى ذلك أن تبرئة كلينتون وعدم إلقاء تهمة جنائية عليها لاستخدام بريدها الإلكترونى الخاص فى مراسلات رسمية، وإن يعتبر صحيحا من الناحية القانونية، فإنه يقوم بترسيخ معتقدات الناخب الأمريكى حول فساد النظام وقدرته الفائقة على تزوير الحقائق، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن كلينتون جزء من هذه المؤسسة الفاسدة التى طالما افترت على الناخب الأمريكى وخدعته بوعودها.

ويقينا سوف يستغل الحزب الجمهورى ومنافسها ترامب تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالى إلى أقصى درجة، مؤكدا على فساد المؤسسة التى تعتبر كلينتون جزءا لا يتجزأ منها، أمّا هو فإنه برىء من كل ألاعيب المؤسسة وخدعها. غير أن مثل هذا القول أيضا يشوبه الكثير من النفاق وعدم الدقة. فإن ترامب نفسه لا يخلو من عيوب معروفة لدى الناخب الأمريكى، وأقلها وطأة هو استغلاله للنظام، الذى يتفنن اليوم فى انتقاده. ويعتبر ترامب من أكثر رجال الأعمال الذين عرفوا من أين تؤكل الكتف، فإنه من بين أكثر المستغلين لثغرات النظام وتقديم الرشوة للعاملين بالمؤسسة من رجال السياسة والكونجرس، كما أن رفضه الإفصاح عن سجله الضريبى حتى الآن إنما يخفى وراءه ــ وما هو معروف عنه ــ تهربه من دفع الضرائب على حساب المواطن الأمريكى. فترامب الذى يتفاخر بأنه من خارج النظام كان من أكثر المستغلين والمستفيدين منه.

فإذا كانت هيلارى كلينتون شخصية غير محبوبة، ويصل التصويت لغير صالحها إلى خمس وخمسين فى المائة فى استطلاع أخير للرأى، فإن المسائل حقا نسبية، حيث إنه فى استطلاع الرأى نفسه، ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى سبعين فى المائة لمن لا يثقون فى ترامب بل ويكنون له الكراهية.

***

سواء كلينتون أو ترامب، فكلاهما يمثلان ما يبغضه الناخب الأمريكى والطبقة المتوسطة من حيث اعتبار أنفسهما فوق القانون ويحللان لأنفسهما ما يرفضانه لغيرهما من الشعب الأمريكى. وهذا ما تفرضه الديمقراطية على الناخب الأمريكى، وللأسف على العالم، حيث تطول سياسة الرئيس الأمريكى كل زاوية وكل مدق فى دول العالم أجمع، ولا بديل عنه.

وما يزيد الطين بلة هو أن أيا كان الرئيس المنتخب، فإنه سيتولى دولة منقسمة على نفسها، وتتزايد فيها حوادث الإجرام والقتل. وإذا كنت فى مقالى السابق بتاريخ 24 يونيو قد قمت بترجيح كفة ترامب على اعتباره أكثر قدرة على تحقيق الأمن للشعب الأمريكى فى أعقاب الحادث الإرهابى الدينى فى أورلاندو، فإن الأمر يختلف اليوم إزاء ما حدث فى غضون ثلاثة أيام فى أوائل الشهر الحالى من مقتل اثنين من السود الأفارقة على يد رجال الشرطة فى لويزيانا ومينيسوتا، أعقبته عملية قتل انتقامية فى دالاس لخمسة من رجال البوليس البيض على يد محارب قديم من الأمريكيين الأفارقة، وذلك ردا وانتقاما على مقتل الاثنين من السود.

إن أمريكا مشتعلة بهذه الأحداث والجرائم المتواكبة، التى أثارت انقسامات أكثر عمقا فى بلد مزقته العداءات العنصرية منذ نشأتها وجعلت الفواصل بين الحريات والدستور بما يجيزه من امتلاك للسلاح، من ناحية، والعنصرية من ناحية أخرى، خطوطا مبهمة وغير واضحة.

***

ويرى المحللون فى الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية أننا بصدد انقسامات أكثر عنفا من تلك التى شهدتها الولايات المتحدة فى حقبة الستينيات أثناء تولى كينيدى وجونسون الرئاسة، وكلاهما من الديمقراطيين، وما دفع بنيكسون (جمهورى) للفوز بالانتخابات بعد ثمانى سنوات من تولى الحزب الديمقراطى الرئاسة فيها تفاقم خلالها الانقسام العنصرى بين البيض والأمريكيين الأفارقة. غير أن التركيبة الديموغرافية أثناء نيكسون تختلف عنها اليوم، فضلا عن الاهتمام الذى يوليه الأمريكيون الأفارقة والأقليات لهذه الانتخابات وهو ما لم يكن قائما فى أثناء فوز نيكسون فى الانتخابات فى نهاية الستينيات. أضف إلى ذلك العثرات المتتالية التى وقع فيها ترامب أثناء الانتخابات الأولية ومعاداته للأقليات، فإن حادث دالاس الذى يتسم بالعنصرية سوف يؤثر فى نظرى على ترامب بالسلب على عكس ما سبق أن كتبته بالنسبة لحادث الإرهاب الدينى فى أورلاندو، الذى رفع من أسهم ترامب لما ارتأى فيه الناخب الأمريكى أنه سيكون أكثر حسما فى محاربة الإرهاب الدينى.

وعلينا أن نتعجب لما تعيشه الولايات المتحدة خلال هذه الأيام فى القرن الواحد والعشرين، الدولة الأقوى فى العالم، دولة القانون، التى تفتخر بتصدير القيم والحريات والديمقراطية إلى دول العالم كله، نتعجب كيف أن هذه الدولة تقف مشلولة تماما أمام العنصرية البغيضة والتفرقة بين المواطنين من البيض والأمريكيين الأفارقة. وما الذى يمكن أن يقوم به الرئيس القادم ــ سواء ترامب أو كلينتون ــ فيما فشل فيه الرئيس أوباما نفسه أول رئيس من الأمريكيين الأفارقة. بل أن الكثيرين يلومونه على اعتبار أنه فشل فى إيجاد تسوية لهذه المشكلة الأزلية وتقاعسه وإدارته فى وقف العنف بين الشرطة والسود. وهو ما حدا بترامب إلى الإعلان عن أنه سينجح فيما فشل فيه الرئيس الحالى والتصريح بقوة أنه المرشح الذى سيعمل على سيادة النظام وإنفاذ القانون. وما زلنا أمام انتخابات لا يمكن التكهن بما تخبئه لنا من مفاجآت.
ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات