ماذا يحمل بنس نائب الرئيس الأمريكى فى جعبته إلى المنطقة؟ - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يحمل بنس نائب الرئيس الأمريكى فى جعبته إلى المنطقة؟

نشر فى : الجمعة 19 يناير 2018 - 10:50 م | آخر تحديث : الجمعة 19 يناير 2018 - 10:50 م

مع إرجاء زيارة نائب الرئيس الأمريكى إلى المنطقة أكثر من مرة، كان الاعتقاد أن هناك تراجعا بالنسبة لحضوره إزاء خيبة أمل المنطقة وقاداتها وشعوبها من جراء سياسة الرئيس ترامب وإدارته بعد الآمال العالية التى علقت على نجاحه ووعوده بالتسوية كأكبر صانع للصفقات فى عصرنا، وتوقعات الكثيرين بأن الوضع فى المنطقة سيكون مغايرا عمّا كان سائدا إبان إدارة أوباما. وتطايرت هذه الآمال والتوقعات مع أولى تغريدات الرئيس الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل.

بيد أن بنس الذى سيأتى اليوم، فما الذى يريده من المنطقة وما الذى ينتظره فى ظل الظروف المغايرة والشكوك التى تحوم حول السياسة الأمريكية فى المنطقة؟ وتكثر التكهنات وتتضارب بالنسبة لتوقيت الزيارة وأهدافها الصريحة والخفية. وسوف أجتهد من جانبى لتقييم احتمالات الغرض من هذه الزيارة واحتمالات نجاحها، وإن كنت أجنح إلى توقع فشلها أكثر من نجاحها فى ظل الظروف الحالية. ولعلنى أبدأ بتوضيح دور نائب الرئيس عامة فى الإدارة الأمريكية، والذى يذهب الكثيرون إلى وصفه بأنه لا طعم له ولا لون، ودوره ينحصر فى حالة إقالة أو تنحى أو موت الرئيس وإحلاله عندئذ محله. فيما عدا ذلك، فإنه ليس مصرحا له إبداء الرأى علنا أو المشاركة حتى بشكل مستتر فى اتخاذ القرار. فهو لا يرى ولا يسمع ولا يتفوه بكلمة أو رأى، مثله فى ذلك مثل التمثال المعروف للقرود الثلاثة. فلماذا يحضر إذن إلى المنطقة؟

***

وهنا يمكننى أن أتكهن بما يلى: قد يكون آتيا لتلقى التهانى لنجاح الإدارة الأمريكية فى تغلبها على داعش. وهنا قد نتساءل عن مدى واقعية هذا النجاح فى ظل انتقال المجموعات المتطرفة بكل أطقمها وعتادها إلى ليبيا وأفغانستان. هل يعد ذلك نجاحا حقا والتوقعات كلها تشير إلى أن داعش تقوم بإعادة تنظيم نفسها لتوجيه ضرباتها من جديد أينما كانت؟

كما يقال أيضا أن بنس على أساس خلفيته اليمينية المتطرفة، آتٍ إلى مصر لمؤازرة الأقلية القبطية ودعمها فى مطالبها، وهو ما أستبعده تماما، لأن بنس لن يرغب فى إحراج نفسه أو سماع ما لا يطيب له من عدم إقحام نفسه فيما لا يعنيه، فإن أى تصريح لبنس فى هذا الشأن لن تقبله مصر قيادة وشعبا.

هل هو آت إذن للتعرف على سياسة مصر الخارجية، والتى لا شك إن دلت على شيء فهى تدل على الاستقلالية التامة والتوازن المتعقل الذى تتبعه مصر فى الآونة الأخيرة؟ وعلى السيد نائب الرئيس الأمريكى بل وعلى الإدارة الأمريكية بأكملها أن تدرك تماما أن مصر سيدة قرارها وأنها لن تقبل التذبذب فى السياسات الأمريكية على هوى كل رئيس، بما يؤثر على وضعها ومصالحها. فإن مصر حريصة على موازنة علاقاتها الخارجية تحقيقا لمصالحها المتشعبة مع كل دولة وكل منطقة على حدة ولا تستهدف ترجيح دولة أو منطقة على أخرى. فإن سياساتها مع روسيا على قدم المساواة مع اهتمامها بأوروبا كأكبر شريك اقتصادى لها وبالصين كعملاق اقتصادى جديد ولرغبتها فى الدخول معها فى مشاركات ثلاثية مع الدول الأفريقية الشقيقة وبناء البنية التحتية التى ستساعدها على تكثيف تجارتها مع الدول الأفريقية، كما أن علاقاتها مع هذه الدول لن تكون على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولكن مصر لم تعد مؤمنة بأن 99% من الكروت فى يدى الولايات المتحدة وحدها.

***

ما الذى يريده بنس فى هذا التوقيت وفى الوقت التى يضرب فيها رؤساء المنطقة وشعوبها كفا بكف إزاء تصريحات وتغريدات ترامب المتلاحقة وغير المفهومة؟ ما هى إذن الأسباب التى تدعو بنس إلى زيارة المنطقة فى وقت يعانى فيه الرئيس الأمريكى الأمرّين على الصعيد الداخلي؟ وفى هذا السياق أود ترجيح موضوعين لا ثالث لهما. قد يكون الأول هو الرغبة فى توضيح الموقف الأمريكى من جراء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ولا شك أن هذه مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وتشترط أساسا أن يجد سيادته أذنا صاغية، وهو من المستبعد. فإن أحدا قد لا يود الاستماع إليه، وما قد يزعمه من أن تصريحات الرئيس الأمريكى لن تؤثر على أن تصبح القدس الشرقية العاصمة الأبدية للفلسطينيين أيضا. ففى إطار التسوية الشاملة وفى ظل حل الدولتين، يمكن أن يتقاسم الاثنان القدس كعاصمة لهما. وإن كان قد يبدو هذا القول منطقيا فى ظاهره، فإن الأخذ به وتصديقه لن يكون تحصيل حاصل ولن يتم قبوله إلاّ إذا كان هناك شىء ملموس أمام قياداتنا تجزم بمثل هذا القول.

أمّا الموضوع الثانى، فقد يكون هو إعادة مبادرة الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية والأيام الأولى من حكمه بالنسبة لعقد قمة لقادة المنطقة فى واشنطن إلى الأذهان. وكان الحديث قد كثر عن مؤتمر الشرق الأوسط فى يوليو 2017 أثناء حملة ترامب الانتخابية، وكانت أهم نتيجتين لزيارة السيد الرئيس السيسى فى أوائل إبريل من العام الماضى لواشنطن تهنئة للرئيس الأمريكى بنجاحه هو الاتفاق على أن مكافحة الإرهاب تمثل أولوية قصوى بالإضافة إلى العزم على إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى. وفيما يتعلق بهذا الموضوع، كان هناك اتفاق ضمنى باركته جامعة الدول العربية على عقد قمة تضم خمس دول فى يوليو 2017 فى واشنطن، بما فيها مصر والأردن وفلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة فى محاولة للتوصل إلى اتفاق حول القضية الفلسطينية. وهو ما لم يتحقق حينئذ. كما سبق أن أوفدت قمة الجامعة العربية التى عقدت فى عمان فى أبريل الماضى 2017 الملك عبدالله ملك الأردن لإحاطة الرئيس الأمريكى علما بالموقف العربى بشأن القضية الفلسطينية. وأكد الملك أن أساس أى حل يبقى إقامة دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش فى سلام جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل، مؤكدا من جديد تمسك الموقف العربى بمبدأ كل الأراضى مقابل سلام دائم ومنصف وحتمية حل الدولتين، وهو ما أكده السيد الرئيس السيسى أيضا أثناء زيارته لواشنطن فى وقت كانت فيه إدارة ترامب الجديدة لا تزال فى عملية بلورة سياساتها فى الشرق الأوسط.

فهل هذه محاولة ثانية لإحياء هذا المؤتمر؟ وكان الأمل كبيرا إذا ما تحقق هذان الهدفان على أنهما سيشكلان بلا شك بداية جديدة للعالم العربى ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها.

***

هل نائب الرئيس مكلف بأن يتحسس موقف المنطقة من الدعوة إلى عقد القمة الإقليمية؟ وهل نحن بالفعل على استعداد لمثل هذا التحرك اليوم؟ ربما كنا كذلك فى البداية عندما كان الرئيس الأمريكى الجديد ما زال يمثل لغزا للمنطقة ولم تكن نواياه وتأييده المطلق لإسرائيل وصديقه نتنياهو واضحة إلى هذا الحد. فما الذى يحمله بنس معه لإقناع المنطقة وقاداتها بجدوى عقد مثل هذه القمة وما ستأتى به؟ من المؤكد داخليا أن الرئيس الأمريكى فى أمس الحاجة اليوم إلى تحويل الانتباه عن الانتقادات اللاذعة الموجهة إليه بشكل يومى، كما أنه بحاجة ملحة إلى تحقيق أى نجاح فى سياسته الخارجية بعد الفشل الذريع التى تبوء به سياسته تجاه إيران وكوريا الشمالية.

وإذا كان ترامب عازما بالفعل إلى التوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، سيتعين عليه أن يتعامل مباشرة مع القضايا الأربع المثيرة للجدل والتى تتربع على قمتها القدس إلى جانب قضايا الأمن واللاجئين والأراضى المحتلة. غير أن تصريح الرئيس الفلسطينى برفضه الدور الأمريكى كوسيط يجب ألاّ يغفل وأن نوليه كل الاحترام الواجب. وتعتبر مصر مؤيدا قويا للفلسطينيين، ولها صلات قوية مع القيادة الفلسطينية ونجاحها الأخير فى التوصل إلى اتفاق بين فلسطين وحركة حماس له وزنه فى المنطقة وفى شكل التسوية النهائية.

فمما لا شك فيه أن الأحداث المتتالية ألقت بثقلها على عقد القمة الإقليمية فى واشنطن وقللت من فرص نجاحها، سواء بالنسبة لتصريحات ترامب المتضاربة بالنسبة للقضية الفلسطينية أو بالنسبة لضعف ترامب على الصعيد الداخلى حاليا والانتقادات اللاذعة الموجهة إليه كشخص عنصرى وغير متوازن. فهل نحن فى حاجة إلى مساعدة الرئيس الأمريكى على مواجهة الضغوط عليه دون الاطمئنان مسبقا إلى النتائج المحتملة لمثل هذه القمة؟ بالقطع لا.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات