العائد الاقتصادى للثورة - مدحت نافع - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العائد الاقتصادى للثورة

نشر فى : الإثنين 22 يونيو 2015 - 10:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 22 يونيو 2015 - 10:55 ص

منذ اندلاع ثورة الشعب فى يناير 2011 والسؤال الذى يتردد بإلحاح: هل تسببت الثورة فى تفاقم أزماتنا الاقتصادية أم هى فقط كاشفة لتلك الأزمات؟

لكن الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة كما يتوهّم البعض من المنحازين فكريا للثورة أو ضدها، إذ يجب أن نبحث أولا فى انجازات الثورة حتى تاريخه، ومدى اتصالها بأهدافها المعلنة، وطبيعة المرحلة التى تمر بها الدولة منذ ثورة يناير. هل يمكن أن نجزم أن الثورة قد استقرت توابعها؟ أم أن العدالة الاجتماعية المنشودة وإطلاق الحريات وتوسيع قاعدة المشاركة فى الحكم.. وغيرها من أهداف الثورة مازال فى مرحلة التأسيس، ومن ثم لم يكتمل بعد التحوّل الديمرقراطى أو ربما لن يكتمل أبدا على الوجه المطلوب؟. الإجابة عن تلك الأسئلة يضعنا فقط فى مستهل الطريق لتحديد علاقة منتج الثورة الأهم وهو تحقيق الديمقراطية بالتداعيات الاقتصادية المختلفة، ام طبيعة تلك العلاقة فهى محل جدل واسع بين الاقتصاديين.

***

اختلف الاقتصاديون حول الأثر الذى ينتجه النظام الديمقراطى على الأداء الاقتصادى والمالى للدول. بعض الدراسات أبرزت الآثار الاقتصادية والمالية الإيجابية لأنظمة الحكم الديمقراطية مقارنة بالأنظمة الاستبدادية، والبعض الآخر اهتم بالآثار السلبية لتلك الأنظمة، بينما أبرزت مجموعة ثالثة ونادرة من الدراسات والأبحاث تباينا فى طبيعة الأثر باختلاف المرحلة الزمنية التى تمر بها الدولة عبر عملية التحول الديمقراطى من نظام سلطوى شمولى إلى نظام أكثر انفتاحا وتعددية.

وإذ يرى «دوجلاس نورث» فى كتابه «المؤسسات والتحول المؤسسى والأداء الاقتصادى» الصادر عام 1990 أن الديمقراطية وحدها يمكنها أن تجبر الحكومة على التصرف وفقا لصالح الشعب، لأن افتقار نظام الحكم للضوابط الديمقراطية يمكّن الحاكم الفرد من الاستيلاء على الموارد عوضا عن توظيفها فى التنمية الاقتصادية. فقد اكتشف الاقتصادى الامريكى «مانكور لويد أولسن» فى مقال نشر عام 1993 بعنوان «الديكتاتورية، الديمقراطية والتنمية» أن الدول الأكثر تطورا اقتصاديا هى جميعا ديمقراطيات «مستقرة»، وبالتالى سلّط الضوء على دور المؤسسات الديمقراطية فى حماية حقوق الأفراد وممتلكاتهم مقارنة بالدور السلبى للنظم الاستبدادية فى توفير الحماية لتلك الحقوق. وفقا لـ«أولسن» تتسبب الأناركية (الفوضى فى غياب مؤسسات الدولة وحكم القانون) وعشوائية المنافسة إلى تدمير حوافز الاستثمار، كذلك رأى أن الديكتاتوريات يمكنها أن تصنع معجزات اقتصادية فى الأجل القصير فقط، أما فى الأجل الطويل، فوحدها الديمقراطية هى التى تضمن النجاح الاقتصادى.

باختصار، يرى المعتقدون فى قدرة النظم الديمقراطية على تحقيق نمو اقتصادى أسرع أن الديمقراطيات تعمل على تخصيص الموارد الاقتصادية بصورة أفضل من النظم المستبدة، وأن الديمقراطيات تحمى حقوق الملكية بصورة أفضل، وهو ما يقلل من عنصر عدم اليقين وبالتالى يشجع الاستثمار.

أما عن النظريات المتشككة فى الديمقراطية، فهى ترتكز على فرضية عدم كفاءة الحكومة الشعبية الممثلة للأغلبية، وقد حذّر «سامويل هنتنجتون» فى كتابه «النظام السياسى فى مجتمعات متغيرة» الصادر عام 1968 من خطورة الآثار المترتبة على زيادة معدلات الطلب الاستهلاكى فى الأنظمة الديمقراطية، كما دشّن «جارى بيكر» عام 1983 نموذجا يوضّح الأثر السلبى للديمقراطية على الكفاءة نتيجة لتنافس النخب المنتمية إلى فصائل مختلفة على النفوذ السياسى والسلطة، وذلك فى مقال له بعنوان «نظرية المنافسة بين جماعات الضغط للتأثير السياسى». لكن من أشهر النظريات التى تشككت فى الكفاءة الاقتصادية لعملية صنع القرار فى النظم الديمقراطية هى نظرية «الاختيار العام» التى وضع أساسها «جيمس بوكنان» و«جوردن تولوك» عام 1962 بالتركيز على تداعيات تعارض المصالح بين السياسيين المنتخبين وبين الشعب، وعلى حرص الدولة على إرضاء الكتل السكانية الكبيرة على حساب الكفاءة ترجيحا لأهمية الصوت الانتخابى على العائد الوطنى. هناك مجموعة أخرى من الدراسات التطبيقية تنفى وجود أية علاقة معنوية موجبة بين الديمقراطية وأية تطورات مالية لكن المجال لا يتسع لتناولها.

***

المهم فى تلك الدراسات وغيرها مما يضيق به المقال، انه يمكن قياس درجة التحوّل الديمقراطى فى مصر بصورة كمية دقيقة، وهناك مؤشرات عالمية شهيرة لتقدير حالة الديمقراطية منها مؤشر polity2، هو مؤشر صادر عن مشروع polity IV يصدره «مركز دراسات السلام المنتظم والأنظمة الاجتماعية» ويأخذ القيمة بين ــ10 و10 حيث تشير القيمة سالب 10 إلى أقصى درجات الاستبداد بينما القيمة 10 هى الدرجة القصوى لدرجة اكتمال الديمقراطية فى الدولة.

جدير بالذكر إلى أن قيمة المؤشر لمصر فى عام 2011 هى ( ــ2 ) وتصنّف مصر ضمن الدول التى يسودها نظام الأنوكراسى Anocracy وهى الدول التى لا تمارس السلطة فيها من خلال مؤسسات ديمقراطية بالشكل الذى يوجد بالديمقراطيات التقليدية وإنما تتنازع السلطة فيه مراكز للقوى داخل الدولة). كذلك يمكن تقدير العلاقة بين هذا التحوّل (لدى حدوثه) وبين مؤشرات اقتصادية ومالية كثيرة بشكّل قياسى عالى الدقة، وهو ما قمت بدراسته عام 2013 فى مرحلة مبكرة جدا من اندلاع ثورة يناير، وأشارت بعض نتائجه إلى استجابة النمو الاقتصادى والنمو فى القطاع المالى غير المصرفى بصورة كبيرة نسبيا للصدمات (التغييرات الحادة) فى مستوى الديمقراطية فى مصر بعد مرور فترة تتراوح بين 7 و9 سنوات، كما يكون التأثر بالصدمة فى أدنى مستوياته عندما يتعلق الأمر بالنمو فى القطاع المالى المصرفى والذى يبدو مستقلا إلى حد كبير عن التحول الديمقراطى. لكن الخلاصة أنه سيكون من الممكن معرفة والتنبؤ بأثر ثورة يناير على النمو الاقتصادى والتنمية المالية بشكل علمى فى وقت قريب.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات