كم من الفرص الضائعة نحتاج؟! - نبيل الهادي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كم من الفرص الضائعة نحتاج؟!

نشر فى : الأربعاء 1 يناير 2020 - 10:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 يناير 2020 - 10:25 م

فى رده الفورى على نتائج مؤتمر المناخ فى مدريد، والذى انتهى بعد تمديد لحوالى أربعين ساعة فى الخامس عشر من ديسمبر الماضى، نشر أنطونيو جوتيريش تغريدة تقول: «أنا مخيب الآمال من نتائج «كوب 25». لقد خسر المجتمع الدولى فرصة مهمة لكى يظهر طموحه المتزايد للمواجهة والتكيف والتمويل للتعامل مع الكارثة المناخية. «كوب 25» هو اختصار لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى والذى أقيم فى مدريد على مدار أسبوعين. كان هذا فى الحقيقة بعد أن شارفت على الانتهاء من كتابة أولية لهذا المقال ولكنى وجدت ما قاله فى صلب ما أردت طرحه. إذ شغلنى لفترة طويلة ومازال يشغلنى كمّ الفرص الضائعة التى أراها حولى، وبالرغم من فهمى لكيفية حدوث ذلك وسماعى لتبريرات عدة، فإنها لا تزال تشغلنى بل وقد تستفزنى فى كثير من الأحيان. انظر مثلا إلى البلايين التى يتم جمعها سنويا فى رمضان وأتخيل عدد الوظائف الدائمة التى كان من الممكن خلقها مع تدوير تلك الأموال بدلا من مجرد إعطائها لمحتاجين لتنفق مرة واحدة فقط.

كم من الفرص الضائعة فى تعاملنا مع التنمية السياحية وعلى مدى حوالى أربعين عاما من بناء القرى السياحية على امتداد ساحل البحر المتوسط والأحمر دون التعامل بجدية واهتمام كافيين مع المدن القائمة وتوفير ظروف ملائمة لأبنائها وربط تقدم ونمو تلك القرى والمنتجعات بمساهمتها فى تطوير وتنمية المدن والمناطق القائمة حولها. وكان لمشاركتى ــ منذ أكثر من عشرين عاما فى دراسة لحساب هيئة المعونة اليابانية عن علاقة التنمية السياحية بمدن البحر الأحمر، وخاصة الغردقة وسفاجا والقصير ومرسى علم، حيث كان واضحا مدى انفصال التنمية السياحية عن تنمية تلك المدن ــ أثر كبير على فهمى لتلك الناحية.

***
لو كانت لديك فكرة مثلا عن مسارات العجل التى بنيت فى إحدى المدن المصرية وأنفق عليها الكثير من الأموال (طبعا ليس كالإنفاق على الكبارى التى قد يراها البعض تجلب المزيد من المشاكل المرورية بعد أن تقدم حل مؤقت لمدة زمنية قليلة)، فهى فرصة ضائعة للمجتمع للتعامل الجدى مع مشكلة التنقل بصورة تحترم إمكاناتنا وتركيبنا الاجتماعى وأيضا تتعامل مع فكرة الاستدامة بجدية.

انظر أيضا لبناء جامعة القاهرة الدولية (لو كنت تعرف أين تقع) بصرف النظر عن ضرورتها الحقيقية وتأمل فى عمارتها التى تكاد تنسخ عمارة المقر الأصلى بالجيزة، بدلا من بناء عمارة تساهم أساسا فى دعم مناخ للتعلم والاستكشاف والتجربة وأيضا تتعامل مع المنطقة التى بنيت فيها، الصحراء، بصورة تتناسب مع تلك البيئة. أليست تلك فرصة ضائعة.

وانظر أيضا إلى مشروع للثروة السمكية فى منطقة غليون مجاورا لمنطقة برج رشيد رغم وجود آلاف الأفدنة من المزارع السمكية الأهلية والتى هى بحاجة للمساعدة والدعم لكى تنتج ما نطمئن إلى جعله جزءا من طعامنا. هل فى تركهم ينتجون بصورة غير رسمية، وربما ليس بالمستوى الذى نقبله، والسماح لذلك النشاط بالاستمرار دون التعامل معه وإرشاده لما فيه فائدة للعاملين وأيضا للاقتصاد المحلى فى المنطقة فرصة ضائعة أخرى.

وفى مكان قريب أيضا من برج رشيد يتم الآن بناء مشروع لحماية الشواطئ باستخدام طرق طبيعية، وبالرغم من أن فكرة المشروع جيدة ولكن عدم ارتباطه وتعامله الجاد مع الاقتصاد المحلى والبشر ومشاغلهم الحياتية التى سيؤثر عليها التغير المناخى قد يمثل فرصة ضائعة.

وفى تطوير المناطق التى يسميها البعض بعشوائية وما هى بعشوائية ولكن ما صنعته أيدينا (جميعا سكان وحكومة وخبراء) والتى تركز على المظهر الخارجى وتنفق الأموال الطائلة على الدهان الخارجى وبلاطات الإنترلوك (أوافق طبعا على الحاجة للحد الأدنى من المرافق الأساسية والخدمات) مع تجاهل الاحتياج الرئيسى للعمل وخلق وظائف والتى من خلالها يمكن العمل على تطوير كل بيت من خلال أصحابه (ربما بمساعدة وإرشاد من خبراء مكلفين) ولكن للأسف يتم إعادة إنتاج لتلك الوصفة التى تنتهى بإهدار أموال كان يمكن أن تخلق وظائف فى أماكن عديدة فى مصر.
***
فى مدينة القصير تمثل مكتبة مصر العامة والتى يتم بناؤها الآن واحدة من تلك الفرص التى أوشكت أن تضيع وبدلا من أن تكون المكتبة نواة للتنمية المبنية على المعرفة وفى نفس الوقت المدركة لقيمة التاريخ والتراث للمجتمع، أختار القائمون عليها البديل الأسهل والذى يفوت إمكانية حقيقية لبناء عمارة مفيدة للمجتمع وساكنيه وفى نفس الوقت تحترم ماضيه وتستشرف مستقبله. وترك القائمون عليها البديل الذى ربما أكثر تركيبا ويتطلب مجهودا وتعاونا ومسئولية من أطراف عدة.

العجيب أنه بالرغم من كمّ الفرص الضائعة والمهدرة فلا يزال بالإمكان عمل ما يمكن أن يساهم فى إنقاذنا على أن نتعلم أولا من ذلك الذى فوتناه أيا كان سببه (من زاوية كلنا مسؤلون). وبالرغم من أن الفرص الضائعة للأسف كثيرة للغاية وهى ليست فقط عمرانية ولكنها أيضا اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضا وربما يمثل التغير المناخى وما يجلبه من تحديات على كوكبنا ككل وعلى مصر مثالا لتجمع تلك الجوانب الثلاثة معا، بالإضافة إلى ما يمثله من تحد وجودى هائل. ولكن التحديات الكبرى هى أيضا فرص عظمى ولكن هل نحن قادرون على التعامل معه على هذا النحو؟

فى نهاية تغريدته كتب أنطونيو جوتيريش «ولكننا لا يجب أن نستسلم، أنا لن أستسلم» ولا أنا يا سيادة الأمين العام.

التعليقات