لبنان.. هل يستمر الانتظار حتى الاحتضار؟ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لبنان.. هل يستمر الانتظار حتى الاحتضار؟

نشر فى : الإثنين 6 مارس 2023 - 8:05 م | آخر تحديث : الإثنين 6 مارس 2023 - 8:05 م
فى خضم معركة الانتخابات الرئاسية، وقد دخل الفراغ الرئاسى شهره الخامس، ما زلنا نستمع إلى قراءات وتحليلات سياسية بعضها من نوع التنبؤات، التى لا تستند إلى أى وقائع أو معطيات محددة، وبعضها الآخر من نوع التمنيات حيث يختلط التمنى بالقراءة السياسية، تتحدث كلها عن انتهاء الفراغ الرئاسى فى مواعيد شبه مؤكدة خلال أشهر قليلة أو أكثر. البعض يراهن على تعب الفريق الآخر لكسر الجمود الحاصل والبعض الآخر يراهن على تغيير فى موازين القوى الخارجية فى الإقليم والمؤثرة فى الوضع اللبنانى. بالطبع كل يرى ذلك لمصلحة فريقه وحسب قراءته للتطورات والمتغيرات التى تحملها هذه التطورات للخروج من حالة الجمود القاتل. الجمود الذى تزداد كلفته كل يوم: إنها نوع من لعبة عض الأصابع أو من سيصرخ (يستسلم) أولا وبالتالى يقدم التنازل المطلوب.
«مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» عبرت عن قلقها البالغ من انعكاسات استمرار الفراغ الرئاسى فى ظل غياب الإصلاحات المطلوبة والضرورية. البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية يذكرنا بأولويات لبنان فى السنة الجارية وهى «الالتزام بمتطلبات صندوق النقد الدولى لبرنامج الإصلاحات البنيوية وإعادة الاستقرار، وتطوير شبكة أمان اجتماعى وإصلاح قطاع الطاقة». انعكاسات الجمود السياسى القاتل وبالتالى غياب أى خطوات فعلية للإصلاح المطلوب، تزداد تكلفتها بالنسبة للمواطن على مستوى حياته اليومية وعلى مستوى مستقبله فى بلده وعلى مستقبل بلده. يحصل ذلك فى ظل ازدياد خطاب تحميل الآخر المسئولية عن ما آلت إليه الأوضاع وإلى ما يمكن أن تصل إليه إذا استمر الجمود القاتل والمفتوح على المجهول، سيد الموقف. يواكب ذلك أيضا حرب التبريرات بين أطراف الصراع، كل لموقفه بالطبع، وفى ظل ازدياد الاستقطاب حدة وبالتالى شلل سياسى على مستوى السلطة.
نسمع مقترحات، أو البعض يسميها عملية جس نبض، ولو لا يتبناها أحد رسميا من النوع التالى: التحالف الممسك بالسلطة يأتى برئيس الجمهورية الذى «يطمئن إليه» مقابل إعطاء المعارضة رئاسة الحكومة. وتبدأ بعدها بالطبع لعبة توزيع الحصص ضمن حكومة يسمونها دون شك حكومة وحدة وطنية باعتبار مشاركة الجميع فيها أو حكومة من غير لون واحد بالضرورة ولو لم يكن هنالك توازن فعلى بين القوى التى تشارك فيها. حل يقوم على شعار «واحد من عندكم وواحد من عندنا»، باعتبار أن ذلك يسمح بتلافى المواجهة والخروج من حالة الشلل القائمة والمكلفة للجميع على الصعيدين المجتمعى والوطنى. إن منطقا من هذا النوع يمثل فى حقيقة الأمر وكما علمتنا تجارب الأمس، وظروف اليوم أصعب بكثير من ظروف الأمس القريب والبعيد، نوعا من ترحيل المشكلة وشراء الوقت وليس توفير الحل المطلوب. الحل الذى يجب أن يكون على مستوى التحديات القائمة والقادمة. تحديات تعكس أزمة، يصفها البعض عن حق، بالأزمة الوجودية فيما يتعلق بمستقبل لبنان: أزمة متعددة الأوجه والأبعاد ومترابطة فى عناصرها.
إن انتخاب رئيس اليوم قبل الغد أمر أكثر من ضرورى ولكن ليس المطلوب انتخاب رئيس يخضع فى دوره ومهامه الوطنية ومسئولياته الدستورية لتحالف سياسى جاء به إلى الموقع الأول فى الجمهورية، أيا كان هذا التحالف، عليه أن يحكم باسم منطق الدولة، وهو رأس الدولة، منطق دولة المؤسسات التى تقوم على احترام القانون وإعمال منطق المساءلة وتعزيز ثقافة المواطنة. إن الحكومة التى يجب أن تُشكل، سواء كانت حكومة وحدة وطنية أو ائتلاف سياسى عليها أيضا أن تخضع وتعمل بمنطق دولة المؤسسات التى هى نقيض لدولة هى فى حقيقة الأمر نوع من فدرالية من الطائفيات السياسية تقوم فى الممارسة على شخصنة السلطة «وتطييفها». إن إنشاء سلطة جديدة (رئيسا وحكومة) حاجة أكثر من ضرورية للإنقاذ الوطنى. لكن هذه لا يمكن أن تأتى إلا إذا واكبتها عملية حوار وطنى جاد وهادف بين جميع القوى الفاعلة والمؤثرة للاتفاق، ليس على العناوين كما تعودنا، ولكن على المضامين فيما يخص الإصلاح الشامل والمطلوب فى الشئون المالية والاقتصادية والسياسية وهى مترابطة فيما بينها. انتخاب رئيس وتشكيل حكومة أمر أكثر من ضرورى ولكنه بالطبع غير كاف لإنقاذ لبنان من الانهيار والتحول إلى «دولة فاشلة». إن المطلوب لإنقاذ الوطن الانخراط الفعلى فى بلورة مشروع إصلاح بنيوى يقوم على ثلاثية الشمولية فى الرؤية والتدرج فى المقاربة والالتزام بجدول زمنى واضح للتنفيذ.
فسياسة المراهم والمسكنات لم تعد مجدية لإنقاذ «المريض اللبنانى» بل صارت «العملية الجراحية» أكثر من ضرورية لهذا الأمر.
ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات