فى مواجهة مشروعى إسرائيل وإيران.. لماذا يتعين على القاهرة وعمان التنسيق الاستراتيجى الشامل؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الإثنين 2 ديسمبر 2024 9:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى مواجهة مشروعى إسرائيل وإيران.. لماذا يتعين على القاهرة وعمان التنسيق الاستراتيجى الشامل؟

نشر فى : الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 7:35 م | آخر تحديث : الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 7:35 م

 

لن تضع الحرب الراهنة فى الشرق الأوسط أوزارها قريبا، بل هى مرشحة للاستمرار بتمادى إسرائيل فى اعتداءاتها على غزة والضفة العربية ولبنان وسوريا، وبلعبة «التصعيد المحسوب» بين إسرائيل وإيران التى تجر معها الميليشيات الشيعية المسلحة فى العراق واليمن.

الشرق الأوسط اليوم، وفى رقعة واسعة منه، هو مسرح للتغول العسكرى الإسرائيلى الذى يغامر بمواجهات متعددة فى مواقع قريبة منه وبعيدة عنه، ويرتكب جرائم ضد الإنسانية بحثا عن قضاء مبرم وآنٍ على حركة حماس وحزب الله وأذرع إيران فى سوريا والعراق واليمن، وبحثا عن قضاء مبرم آخر بعيد المدى على مبدأ «حل الدولتين» الذى تستند إليه كل الاتفاقيات الموقعة بضمانات دولية وعربية بين إسرائيل وفلسطين ومن ثم الإلغاء الكامل لحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، وبحثا عن تغيير بعيد المدى فى موازين القوة بين إسرائيل وإيران من خلال الضغط العسكرى من الأولى على الثانية لتجميد المشروع النووى للجمهورية الإسلامية والحد من قدراتها العسكرية وتقليص نفوذها الإقليمى بتجريدها من الحركات والأحزاب والميليشيات العسكرية المتحالفة معها.

الشرق الأوسط اليوم، وفى رقعة واسعة منه، هو مسرح لردود أفعال عسكرية من قبل حماس وحزب الله وميليشيات أخرى تستهدف كبح جماح الاعتداءات الإسرائيلية، وكذلك لردود أفعال عسكرية محدودة من قبل إيران التى لم ترد التورط فى حرب الشرق الأوسط وعولت على اضطلاع حماس وحزب الله بالتصدى لإسرائيل وإبعادها عن الهجوم المباشر على الأراضى والمنشآت الإيرانية وواصلت التمسك بالتصعيد المحدود حتى حين غيرت تل أبيب من قواعد الاشتباك بضغط كاسح فى فلسطين ولبنان وباغتيالات متتالية لقيادات حماس وحزب الله وميليشيات أخرى فى غزة والضفة الغربية وبيروت ودمشق وطهران. تحاول إيران «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» من القدرات العسكرية والتنظيمية لحلفائها فى الشرق الأوسط، ومن ثم من شبكة نفوذها الإقليمى التى حاكت خيوطها على مدار عقود عديدة وبهدف استراتيجى رئيس وهو إبعاد عدوتيها، إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، عن تهديد مكونات أمنها المتمثلة فى بقاء نظام الجمهورية الإسلامية والدفاع عن قدراتها النووية والعسكرية المتطورة وردع التهديدات الإقليمية، تحاول إيران تحقيق ذلك دون أن تتورط مباشرة فى الحرب ودون أن تتخلى عن «التصعيد المحسوب» ضد إسرائيل.

•  •  •

دون تجاهل للكلفة الإنسانية والمادية الباهظة التى تفرضها الحرب على الشعبين الفلسطينى واللبنانى وللثمن السياسى الفادح الذى يتحمله حق تقرير المصير فلسطينيا وتتحمله سيادة الدولة لبنانيا، تواجه الحرب، ومعها الصراع الممتد على رقعة واسعة فى الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران، الدولتين العربيتين المجاورتين للأراضى الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية، مصر والأردن، بتهديدات حقيقية لأمنهما القومى ولدورهما الإقليمى المستند إلى السلام كخيار استراتيجى فى شرق أوسط مضطرب وإلى الحوار والدبلوماسية والتفاوض كسبل وحيدة لإنهاء الحروب والصراعات وصناعة الأمن والاستقرار.

يتمثل التهديد الأول للأمن القومى لمصر والأردن فى خطر التهجير القسرى للشعب الفلسطينى من غزة والضفة الغربية والذى، وإن لم يعد هدفا علنيا لحكومة اليمين المتطرف التى يقودها فى تل أبيب بنيامين نتنياهو والتى تحدث بعض أطرافها فى الأسابيع الأولى للحرب على قطاع غزة عن سيناريوهات للتهجير القسرى، يظل أمرا لا تمانع إسرائيل فى حدوثه بجعل القطاع المدمر منطقة غير صالحة للحياة ودفع أكثر من مليونى فلسطينى وفلسطينية إلى خارجه باتجاه الحدود المصرية، وبتواتر طرح أحزاب اليمين المتطرف لمسألة «الوطن الفلسطينى البديل» والمقصود بها إلغاء وجود الأردن كدولة عربية ذات هوية وطنية خاصة وتحويله إلى أرض للمهجرين سابقا من كل أرجاء فلسطين ولاحقا من الضفة الغربية.

تنبهت القاهرة وعمان سريعا لخطر التهجير القسرى، وحشدت الدبلوماسية المصرية والأردنية دعما إقليميا ودوليا متعدد الأطراف لرفضه، وأجبرت حكومة نتنياهو على الابتعاد العلنى عن سيناريوهات التهجير. غير أن الدولتين عليهما مواصلة العمل المشترك لمواجهة الكارثة الإنسانية التى ألحقتها إسرائيل بغزة، وللضغط إقليميا ودوليا للتوصل إلى إيقاف الحرب فى القطاع وإلى الحد من عنف المستوطنين فى الضفة الغربية، وللحيلولة دون أن تصبح الأراضى الفلسطينية المحتلة بيئات طاردة لسكانها بسبب غياب مقومات الوجود الآمن.

•  •  •

أما التهديد الثانى الوارد على الأمن القومى لمصر والأردن بفعل الحرب فى الشرق الأوسط فيرتبط بحقيقة أن إسرائيل التى ترتبط معها الدولتان بمعاهدات سلام (معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى ١٩٧٩ ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية فى ١٩٩٤) وبعلاقات دبلوماسية لم تعد شريكا لا للسلام الإقليمى ولا لدبلوماسية إنهاء الحروب وتسوية الصراعات.

بل إن إسرائيل خاطرت بجرائمها فى غزة، وبتعنتها فيما خص إدخال المساعدات الإنسانية لسكان لا يجدون ومنذ أكتوبر ٢٠٢٣ المتطلبات الأساسية للحياة، وبتحايلها على الخطوط الحمراء المصرية فيما خص وضعية ممر فيلادلفى كمنطقة منزوعة السلاح وضرورة أن تكون إدارة معبر رفح فى الجهة الفلسطينية للفلسطينيين؛ خاطرت إسرائيل بتعريض السلام بينها وبين مصر لأزمة شاملة. وكذلك فعلت تجاه الأردن بعنف المستوطنين المتصاعد فى الضفة الغربية وبالعمليات العسكرية المتكررة فى مدنها، وبعدم تجميد النشاط الاستيطانى فى الضفة والقدس، وبتواتر تصريحات رسميين إسرائيليين عن الوطن البديل. وبالقطع، رتب رفض حكومة نتنياهو لإيقاف الحرب فى غزة والاعتداءات فى الضفة وتورطه المتعمد فى توسيع نطاقات العنف والدمار فى الشرق الأوسط بالحرب على حزب الله فى لبنان، رتب الأمران المزيد من التأزم فى العلاقات بين تل أبيب وبين القاهرة وعمان.

تعلن حكومة اليمين المتطرف فى إسرائيل تنصلها الكامل من مبدأ حل الدولتين كأساس للسلام فى الشرق الأوسط، وتلغى من ثم عملا سابق تعهدات الدولة العبرية فيما خص إقامة الدولة الفلسطينية. وهى بذلك تدحض المرتكز الأهم لموقف مصر والأردن المتمثل فى اعتماد السلام كخيار استراتيجى لانتزاع حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير والدولة المستقلة بجوار إسرائيل. انقلاب نتنياهو وحكومته على السلام مع الجانب الفلسطينى وعلى حل الدولتين، وهو توجه تؤيده أغلبية تقترب من ٦٠ بالمائة بين الشعب الإسرائيلى، يعنى استحالة أن تكون الدولة العبرية شريكا لمصر والأردن فى صناعة السلام وبناء الأمن والاستقرار الإقليميين طالما استمر «خيار نتنياهو» هو الخيار المعتمد هناك. ويستدعى ذلك من الدولتين العربيتين التعامل مع القضية الفلسطينية ومع مجمل المشهد الإقليمى فى جوارهما المباشر (فلسطين ولبنان وسوريا) انطلاقا من غياب شريك السلام الإسرائيلى ومن حتمية مواصلة القاهرة وعمان لجهودهما الحثيثة فى صناعة السلام وبناء الأمن والاستقرار وإيقاف الحروب والصراعات المشتعلة دون وجود حكومة فى تل أبيب تدفع فى ذات الاتجاهات.

•  •  •

نأتى إلى تهديد ثالث وخطير يرد على الأمن القومى لمصر والأردن وفى لحظة تتعرض فيها الدولتان لتهديدات من كل جهات حدودهما الأخرى (مصر جنوبا بسبب الحرب الأهلية فى السودان وبسبب التوترات عند المدخل الجنوبى للبحر الأحمر وفى القرن الإفريقى ومع إثيوبيا بسبب ملفات المياه والأمن وغربا بسبب الصراعات الأهلية المستمرة فى ليبيا، والأردن شمالا بسبب عمليات التهريب الواسعة القادمة من سوريا والتدهور البالغ للأوضاع الأمنية هناك وشرقا بسبب توظيف الميليشيات الشيعية للأراضى العراقية فى لعبة التصعيد المحسوب بين إسرائيل وإيران)، وهو التهديد المرتبط بانزلاق عموم المشهد الإقليمى إلى الحروب والصراعات المسلحة والمغامرات العسكرية وما تدفع إليه من مخاطر جمة مرتبطة بامتداد العنف والدمار على رقعة واسعة، وانتشار سباقات التسلح، وتصاعد مناسيب الأفعال وردود الأفعال العسكرية بين إسرائيل وإيران وربما دخولها فى طور الإلغاء الكلى المتبادل.

•  •  •

مشهد إقليمى كهذا، وهو يتبلور فى لحظة لم تتعاف فيها منطقة الشرق الأوسط بعد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى عانت منها طوال العقد الماضى (والخليج العربى هو الاستثناء الوحيد)، يضغط بشدة على مصر والأردن كدولتين تعتمدان السلام والحوار والدبلوماسية والتفاوض كسبل وحيدة لممارسة الفعل الخارجى الرشيد فى جوارها المباشر وجوارها الممتد. فالقاهرة وعمان تختلفان مع مجمل الأفعال الإسرائيلية الراهنة وتعارضان إلغاء حل الدولتين. والعاصمتان تختلفان مع مجمل الأفعال الإيرانية فى الشرق الأوسط الذى توظفه طهران كخط دفاع أول عن أمنها القومى هى وتستبيح من أجله الدول الوطنية فى لبنان وسوريا والعراق واليمن وتزج فى سياقه بالفصائل الفلسطينية إلى خيارات مستحيلة عادت هى (طهران) وانسحبت منها.

الدولتان تنظران بقلق بالغ، وفى لحظة تهديدات عديدة أخرى يتعرض لها أمنهما القومى، إلى التغول العسكرى لتل أبيب ومغامراتها ومغامرات إيران بالسلاح. ولا ينبع القلق من رفض مصر والأردن الذهاب باتجاه سباق تسلح غير محسوب، بل أيضا لتعارض عسكرة المشهد الإقليمى مع السلام كخيارهما الاستراتيجى.

هذه لحظة للتنسيق الشامل بين القاهرة وعمان، فالرؤية واحدة والمصالح متشابكة والتهديدات والأخطار نتعرض لها سويا.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات