إيطاليا تربة خصبة لتحقيق أهداف الصين!! - مواقع عالمية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إيطاليا تربة خصبة لتحقيق أهداف الصين!!

نشر فى : الثلاثاء 14 أبريل 2020 - 12:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 أبريل 2020 - 12:50 م

نشر موقع «the james town foundation» مقالا للكاتب «Dario Cristiani»، تناول فيه كيفية استخدام الصين قوتها الناعمة للتغلغل فى أوروبا مستغلة الوضع الصحى السيئ فى إيطاليا جراء انتشار الفيروس، ومستغلة أيضا تخاذل حلفاء إيطاليا التاريخيين عن مساعدتها، ونعرض منه ما يلى:

قبل عام، كانت إيطاليا تتصدر العناوين الرئيسية حيث أصبحت روما أول دولة من مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) التى توقع على مذكرة تفاهم مع الصين للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق (BRI). أما بالنسبة للعلاقات الإيطالية الصينية، فكان من المتوقع أن يكون عام 2020 عاما حيويا لها: بمناسبة مرور خمسين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، حيث كان من المقرر أن يقوم الرئيس الإيطالى سيرجيو ماتاريلا بزيارة الصين بحلول نهاية العام، وذلك بعد أن زار رئيس جمهورية الصين الشعبية «شى جين بينج» إيطاليا فى مارس 2019 للتوقيع على مذكرة التفاهم. ومع ذلك، بعد اثنى عشر شهرا، تجد إيطاليا نفسها فى مواجهة أسوأ أزمة صحية واقتصادية تمر بها منذ الحرب العالمية الثانية ــ وهى أزمة تعد جمهورية الصين الشعبية جزءا منها.

حاول مسئولو الحزب الشيوعى الصينى الحاكم فى البداية التستر على تفشى المرض، والذى كان أول ظهور له فى مدينة ووهان بوسط الصين (مقاطعة هوبى) فى أواخر عام 2019. إلا أنهم عادوا للاعتراف بوجوده. وكانت إيطاليا، بعد الصين، الدولة التى واجهت أشد تفشٍّ للمرض: فاعتبارا من 31 مارس، كان فيروس COVIDــ19 قد أودى بحياة 11.591 إيطاليا. وكان هذا التفشى المروع يمثل أسوأ أزمة فى تاريخ إيطاليا الجمهورى، وسرعان ما اتخذت هذه الأزمة بعدا متعدد الأوجه: حيث لم تصبح مجرد حالة طوارئ صحية عامة، بل تطورت أيضا إلى حالة طوارئ سياسية ومؤسسية واقتصادية وأمنية وحتى نفسية، مع إغلاق كامل للمدن الإيطالية لأسابيع.

الأزمة الأوروبية والاستعداد الصينى
فى الآونة الأخيرة، كانت إحدى المسائل المثيرة للجدل هى دور الأطراف الخارجية فى مساعدة إيطاليا وما إذا كانت معينة لها أم متخاذلة. وهنا ظهرت الصين فى مقدمة الدول الأكثر نشاطا فى إنقاذ إيطاليا. فعندما كان الوباء يتفشى على مستوى العالم، أطلقت جمهورية الصين الشعبية حملة إعلامية ضخمة لتغيير سرد رواية الفيروس، وتكونت من شقين: تضخيم نجاح إدارتها للأزمة، ونشر الشكوك حول أصل نشأة الفيروس. هذا بجانب استغلال الصين مسألة تقلص حالات الإصابة بالفيروس على أراضيها كأداة فعالة للدبلوماسية والقوة الناعمة. وبما أن إيطاليا هى البلد الأكثر تضررا بعد الصين، فقد وجدتها بكين تربة خصبة لإطلاق حملتها.

كما عزز ضعف استجابة الدول الأوروبية لإنقاذ إيطاليا الشعور الإيطالى المعادى لأوروبا. فكانت النتيجة هو تصدر الهاشتاج (إيطاليكسيت) أو «خروج إيطاليا» على غرار «خروج بريطانيا» من الاتحاد الأوروبى. حيث أعرب الإيطاليون عن استيائهم من تحالفاتهم التاريخية ونقص مساعدة دول الاتحاد الأوروبى لهم. وفى الأسابيع الأخيرة، حاولت كل من المؤسسات المجتمعية ودول الاتحاد الأوروبى جبر ذلك الضرر، فقاموا بإرسال الأطباء، وتوفير المواد الطبية، وقبول المرضى الإيطاليين فى مستشفياتهم. إلا أن التحرك جاء متأخرا، حيث تسببت التأخيرات الأولية فى إحداث تصدع شديد فى العلاقات الأوروبية مع إيطاليا.

حملة الدعاية الصينية وتأثيرها فى إيطاليا
بدأت الصين فى إطلاق حملتها مستغلة الوضع الصحى السيئ فى إيطاليا، وتلخصت حملتها فى التالى: « فى حين كانت جميع الدول الأوروبية ترفض دعوة إيطاليا لمساعدتها، وكانت الولايات المتحدة تشترى مجموعات من المستلزمات الطبية، كانت الصين تتدخل للمساعدة». كما نُشرت رسالة على حساب Facebook الخاص بسفارة جمهورية الصين الشعبية فى روما فى 10 مارس بعنوان «بكين تطلب من الشركات الصينية إرسال أجهزة تنفس وكمامات ــ على الفور ــ إلى إيطاليا»، وأعلنت الحكومة الصينية عن استعدادها للقيام «بدورها كعلامة على شكرها عميق لإيطاليا التى ساعدت الصين فى أوقات الحاجة». وبعد محادثة هاتفية بين وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية وانج يى ونظيره الإيطالى لويجى دى مايو، عرضت جمهورية الصين الشعبية توفير أجهزة تهوية الرئة، والكمامات، والسترات الواقية، وأجهزة الاستشعار الحرارى للكشف عن فيروس كورونا.

كانت الرسالة هى أن الصين «تبرعت» بهذه المواد لإيطاليا. ومع ذلك، كان الواقع مختلفا إلى حد ما: حيث تم التبرع بجزء صغير فقط من هذه الإمدادات الطبية، بينما تم شراء الباقى من قبل إيطاليا. وكان الصليب الأحمر الإيطالى على اتصال مع الصليب الأحمر الصينى ليأتى ممثلو المنظمة الأخيرة إلى إيطاليا، ووصلت أول مجموعة من الأطباء من الصليب الأحمر الصينى إلى إيطاليا فى 12 مارس.

كان مشهد الأطباء الصينيين القادمين لإنقاذ إيطاليا قويا، تم نشر صورهم، بالإضافة إلى منشور Facebook المذكور سابقا، على نطاق واسع فى مجال وسائل الإعلام الاجتماعية الإيطالية. جاء ذلك مباشرة بعد تقارير إخبارية عن دول أوروبية أخرى تتصرف بشكل أنانى فى مواجهة أزمة إيطاليا: على سبيل المثال، حظرت ألمانيا وفرنسا تصدير الكمامات والمواد الطبية الأخرى، وهو قرار انتقد بشدة من قبل إيطاليا ودول الاتحاد الأوروبى الأخرى. كما انتقدت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى الإيطالية بشدة حلفاء إيطاليا التاريخيين، مع احتفال العديد من الإعلاميين بالجهود الصينية.

قام ممثلو جمهورية الصين الشعبية ــ من جانبهم ــ بالترويج لهذه الرسائل: على سبيل المثال، نشر المتحدث باسم وزارة الخارجية فى جمهورية الصين الشعبية «هوا تشونيينج» فيديو مزيفا على تويتر قائلا إن الإيطاليين كانوا يهتفون («شكرا لك، الصين!») أثناء عزف النشيد الوطنى لجمهورية الصين الشعبية فى روما. وأخيرا، وللمرة الأولى على الإطلاق، تلقى جميع أعضاء البرلمان الإيطالى نسخا من العدد الأخير من المجلة ثنائية اللغة Cinitalia، التى تنتجها مجموعة وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة. توقيت كل هذا ليس من قبيل الصدفة: لقد رأت بكين فرصة للاستفادة من الصدع الأوروبى الناشئ فى زيادة مستوى ارتباطها ــ العام والسياسى ــ مع إيطاليا.

نجحت بكين فى تغيير السرد: من الصين كونها البلد الذى بدأ فيه الوباء، إلى الصين كونها البلد الذى يأتى لإنقاذ البلدان التى تعانى من الوباء ــ فتقدم الحلول والخبرة، والدعم الطبى الذى تشتد الحاجة إليه. كما تم تقديم رسالة مفادها أن هذه الحلول مرتبطة بنموذج الحكم الخاص بالصين. نجح هذا النهج!!، حيث أشاد العديد من الإذاعيين الإيطاليين بكيفية نجاح النموذج الصينى، وكيف يجب على إيطاليا اتباع الصين فى المستقبل لتصبح أكثر كفاءة فى التعامل مع الأزمات المفاجئة.

كما رافق المساعدة الطبية الصينية تضليل واضح، حيث دفعت بكين بالروايات التى تشكك فى نقطة انطلاق الفيروس. على سبيل المثال، عمل مسئولو لجان المقاومة الشعبية ووسائل الإعلام الحكومية ووسائل التواصل الاجتماعى على الترويج لفكرة أن الفيروس كان نتيجة تجربة أمريكية، أو أن الحالات المشتبه بإصابتها بالالتهاب الرئوى المرتبط بفيروسات كورونا كانت موجودة بالفعل فى إيطاليا قبل تفشى المرض فى ووهان فى نوفمبر الفائت.

ماذا على المحك؟
كانت إيطاليا بيئة خصبة لدعاية الصين الساحرة فى خضم أزمة كوفيدــ19، ولاقى هذا الهجوم صدى بين الجهات السياسية. فكان وزير الخارجية الإيطالى «لويجى دى مايو» فاعلا مهما جدا فى تغذية ذلك. حيث اُنتقد وزير الخارجية الإيطالى ــ من قبل المسئولين وحلفائه فى الحكومة ــ بأنه شديد التعويل على الصين. حيث كان دى مايو المهندس المعمارى المؤسسى وراء انضمام إيطاليا إلى مبادرة الحزام والطريق العام الماضى عندما كان وزيرا للتنمية الاقتصادية. ومنذ توليه منصبه الحالى، لا تزال بعض تصريحاته، بشأن الاحتجاجات فى هونغ كونغ، مثيرة للجدل.

حزب دى مايو، حركة الخمس نجوم (FSM)، مؤيد بشكل صريح للصين. فى وقت سابق من هذا الشهر، ظهر منشور على مدونة مؤسس الحزب «بيبى جريلو»، كتبه فابيو ماسيمو بارينتى بعنوان «الصينــإيطاليا: مصير مشترك». بارينتى هو نفس الكاتب الذى كتب فى نفس المدونة مقالات ــ تتماشى مع روايات بكين ــ فيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان فى منطقة شينجيانج الغربية من جمهورية الصين الشعبية. وغالبا ما أثار هذا الموقف المؤيد للصين احتكاكا مع بعض حلفاء إيطاليا التاريخيين، وخاصة الولايات المتحدة.

فى أعقاب هذه الأزمة، اقترح رئيس جمهورية الصين الشعبية شى جين بينج على رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى بناء «طريق الحرير الصحى»، والذى سيتم تخصيصه لقضايا الصحة العامة. ومع ظهور الأزمة، أرسلت Huawei مواد طبية وأجهزة حماية لدعم إيطاليا وقدمت اقتراحا لربط المستشفيات الإيطالية من أجل تسهيل التواصل بين فرق العمل الطبى المحلية. يرتبط هذا الاقتراح بشكل مباشر بحضور Huawei فى السوق الإيطالية بقوة والخلافات التى شهدتها على مدى الأشهر القليلة الماضية، خاصة أن العديد من الهيئات المؤسسية الإيطالية ــ مثل لجنة (كوباسير) البرلمانية ــ قد أثارت مخاوف بشأن وجود شركات صينية فى تطوير شبكة 5G فى إيطاليا. دفعت هذه المخاوف الحكومة الحالية إلى استخدام سلطاتها الرقابية فى صفقات توريد خدمات اتصالات الجيل الخامس (5G).

وإجمالا، يمكن لأزمة COVIDــ19 أن تصبح لحظة فارقة فى التاريخ الإيطالى ــ لحظة من التغيير العميق، حيث يمكن التشكيك فى بعض الركائز الاجتماعية السياسية للبلاد. وقد تكون التحالفات الدولية أحد المتأثرين بشدة من هذه الأزمة. فمن الواضح أن بكين حاولت اغتنام الفرصة لتحقيق هدف مزدوج يتمثل فى تحويل نقاط ضعفها إلى نقاط قوة: تحويل السرد حول أدائها الناجع فى إدارة الأزمة، والاستفادة من المشكلات التى واجهتها إيطاليا مع حلفائها التاريخيين.

وبذلك، وجدت الصين إيطاليا تربة خصبة لتحقيق هدفها، حيث وضعت الأزمة إيطاليا فى موقف غير مستقر للبحث عن أكبر قدر ممكن من المساعدة وفى أقرب وقت ممكن. كما أن بعض اللاعبين السياسيين الإيطاليين ــ أى وزير الخارجية الحالى وحزبه ــ متعاطفون بلا منازع مع جمهورية الصين الشعبية. وكانت بكين على استعداد لتحقيق أقصى استفادة من هذه الظروف الخاصة. والطريقة الذكية التى أدارت بها الصين العلاقة مع إيطاليا فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة ستعطى بكين نفوذا متزايدا فى المستقبل.

أظهرت قرارات إيطاليا بشأن مبادرة الحزام والطريق وبعد التوقيع على مذكرة التفاهم، أن إيطاليا تطور بالفعل علاقاتها مع الصين. علاوة على ذلك، تسببت أزمة الوباء الحالية فى حدوث تصدعات فى العلاقات بين إيطاليا والاتحاد الأوروبى من جانب، وإيطاليا والولايات المتحدة من جانب آخر. على الرغم من أن هذا لا يعنى بالضرورة أن إيطاليا مستعدة للتخلى عن تحالفاتها التاريخية من أجل تعزيز علاقاتها مع الصين. لكن هناك شيئا واحدا مؤكدا: ستحاول بكين على الأرجح استغلال هذه الانقسامات، من أجل مواصلة تطوير مشروعها الأوسع لتصبح الدولة المركزية للنظام الدولى بحلول عام 2049، وهو العام المئوى لجمهورية الصين الشعبية.

إعداد / ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: اضغط هنا

التعليقات