أفكار حول تغير خريطة الصراعات والتحالفات فى المنطقة - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفكار حول تغير خريطة الصراعات والتحالفات فى المنطقة

نشر فى : الأربعاء 22 أبريل 2009 - 6:48 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 أبريل 2009 - 6:48 م

 كتب الأستاذ جميل مطر فى عدد «الشروق» الصادر يوم السبت الماضى تقريرا بعنوان «جهود عربية وإسرائيلية لإقناع أوباما بعدم الانفتاح على إيران». أشار التقرير إلى أنباء تداولتها أوساط سياسية عربية وأوروبية عن جهود عربية مكثفة تبذل حاليا لدى واشنطن بهدف إقناع إدارة الرئيس أوباما بإعادة النظر فى السياسة الأمريكية تجاه إيران، والمتمثلة فى اعتبار «الدبلوماسية الناعمة» أداة مناسبة للتعامل مع إيران بدلا من الأسلوب «الخشن» الذى تبنته إدارة جورج بوش. وأشار التقرير علاوة على ذلك إلى «حشد ثقيل» لجهود جماعات الضغط الموالية لإسرائيل من أجل الدعوة إلى وقف الاتصالات التمهيدية الجارية حاليا بين الولايات المتحدة وإيران، ثم انتهى التقرير بالإشارة إلى أن مصدرا غربيا مطلعا أفاد أن سفير إحدى الدول العربية وسفير إسرائيل تقدما بطلب مشترك لعقد اجتماع يضمهما وأحد كبار المسئولين الأمريكيين لعرض «وجهة النظر العربية ــ الإسرائيلية المشتركة» حول خطورة التقارب الأمريكى ــ الإيرانى على أمن إسرائيل والدول العربية والشرق الأوسط، وأمن الولايات المتحدة ومصالحها.

عدت بالذاكرة إلى قرابة ثلث القرن حين بدأت التقارير والدراسات تشير إلى أن التطورات «النفطية» فى المنطقة العربية قد أدت إلى تدهور الأهمية النسبية للصراع العربى ــ الإسرائيلى، وكانت دراسة جون ووتربرى ورجائى الملاخ التى صدرت فى الولايات المتحدة فى عام 1978 بعنوان «الشرق الأوسط فى العقد القادم» نموذجا لهذه الدراسات التى انطلقت من أن تلك التطورات النفطية قد عززت الاتجاهات التى تجعل من الخليج ساحة للصراع على النحو الذى يفضى إلى أن تشهد الثمانينيات تنافسا دوليا حادا وعدم استقرار محتمل فى منطقة الخليج. وانتهت تلك الدراسات إلى أن ذلك الوضع قد أدى إلى انتقال مركز الثقل فى الوطن العربى من موضعه التقليدى فى الهلال الخصيب ومصر إلى منطقة الخليج، واستتبع ذلك نتيجة أكثر أهمية، وهى أن الصراع العربى ــ الإسرائيلى سوف يفقد بذلك أهميته الحاسمة طالما ظهرت اهتمامات أخرى أكثر إلحاحا وحيوية.

تذكرت كذلك كيف كان ذلك المنطق غريبا على باحث مثلى قطع شوطا لا بأس به فى مسيرته البحثية فى سياق يجعل من التناقض العربى ــ الإسرائيلى التناقض الأول فى المنطقة، وهو من ثم أساس رسم التحالفات والصراعات فى الوطن العربى بحيث كان العرب كلهم ــ مهما كانت خلافاتهم البينية ــ فى صف واحد ضد إسرائيل. تشهد بذلك جولات الصراع العربى ــ الإسرائيلى منذ نشأة الدولة الصهيونية، وبصفة خاصة جولة1967 التى سبقتها حرب باردة عربية ــ عربية (أو لنقل حربا نصف ساخنة على ضوء ما كان يجرى فى اليمن) لم تمنع من اصطفاف العرب وفقا لما انتهت إليه قمة الخرطوم عقب الهزيمة بحوالى ثلاثة شهور. وكنت بناء على هذه «التنشئة السياسية ــ العلمية» أقرب إلى المنطق الذى يرى بأن التوتر فى المنطقة سوف يمتد ليشمل منطقة الخليج دون أن يؤثر ذلك على الأهمية النسبية للصراع العربى ــ الإسرائيلى.

غير أن نبوءة أصحاب الفكر الجديد بشأن خريطة الصراعات والتحالفات فى المنطقة تحققت، وحدث التغير النوعى الأول فى هذه الخريطة، فلم يصبح الخليج بؤرة أساسية للتوتر فحسب وإنما أثر ذلك التطور على تلك الخريطة، فتحولت أنماط الصراع والتحالفات من اصطفاف عربى ضد إسرائيل إلى اصطفاف عربى ضد إيران بغض النظر عن إسرائيل. ولم يكن متغير النفط هو الوحيد فى هذا التطور، فقد أضيف إليه متغير آخر لا يقل أهمية وهو الخوف العربى من تداعيات الثورة الإيرانية 1979 على استقرار النظم الحاكمة فى الخليج خاصة والنظم العربية عامة. فى هذا السياق شهد الخليج أطول الحروب النظامية فى المنطقة وأشدها تدميرا (الحرب العراقية ــ الإيرانية 1980ــ1988). وفى الوقت الذى ارتضى العرب كلهم فى قمة فاس 1982 صيغة التسوية السلمية مع إسرائيل طرحت احتمالات المواجهة العسكرية مع إيران عندما بدا أنها تحقق تقدما فى حربها مع العراق اعتبارا من اختراق الفاو فى 1986، فمهدت قمة عمان1987 الطريق إلى عودة العلاقات العربية مع مصر على الرغم من أنها لم تدخل أى تغيير على التزامها بالسلام مع إسرائيل، وذلك بالنظر إلى أن المواجهة العسكرية مع إيران بدت مستحيلة دون مصر، وهكذا أعطيت الأولوية لمواجهة إيران على حساب صلابة الموقف العربى تجاه إسرائيل. صحيح أن سوريا شذت عن القاعدة، ولكنها مثلت الحالة الوحيدة من نوعها فى هذا الصدد، وصحيح أيضا أن الغزو العراقى للكويت فى 1990، وإن أثبت تحول الخليج إلى بؤرة أساسية للتوتر، قد قلل من حدة الاستقطاب العربى ــ الإيرانى بالنظر إلى موقف إيران الرافض للغزو، ولكن ذلك مثّل ملمحا مؤقتا فى خريطة الصراعات والتحالفات فى المنطقة.

تغيرت أنماط التحالفات والصراعات فى المنطقة إذن من اصطفاف عربى ضد إسرائيل حتى نهاية سبعينيات القرن الماضى إلى اصطفاف عربى ضد إيران اعتبارا من مطلع عقد الثمانينيات من ذلك القرن، وها نحن نشهد التغير الثالث فى خريطة التحالفات والصراعات على ضوء تعاظم القوة والنفوذ الإيرانيين فى المنطقة، فقد بدا أن إيران هى الرابح الأول من الغزو الأمريكى للعراق فى 2003. أسقط لها الغزو أعدى أعدائها بقضائه على نظام صدام حسين، وأتاح لها بما أحدثه من خلخلة فى الدولة والمجتمع العراقيين فرصة لنمو مطرد فى نفوذها داخل العراق، وأضيف إلى ذلك مشروعها للقيادة الإقليمية الذى تضمن إنجازات تكنولوجية لافتة على رأسها المشروع النووى الإيرانى، وتحديات للقوة العظمى الأولى فى العالم، وأطماع فى عدد من البلدان العربية المحيطة بها. ذلك كله بالإضافة إلى قدرة على ملء الفراغ الذى خلفه ضعف النظام العربى واهتراؤه فى عدد من المواقع داخل الوطن العربى فى لبنان وفلسطين وغيرهما من دول عربية تعانى من معضلات تتعلق باستقرارها السياسى.

فى هذا الإطار بدا أن ثمة اصطفافا عربيا غلابا ضد إيران مشابها للموقف الإسرائيلى منها، فإسرائيل تضع مواجهة التهديد الإيرانى فى صدارة أولوياتها، خاصة أنه ذو صدقية عالية، بمعنى أنه مدعوم بقدرة عسكرية لا يجب أن يستهان بها، وهى قلقة تحديدا من المشروع النووى الإيرانى، ومن الاتجاهات السلمية أو على الأقل «الحوارية» للرئيس أوباما إزاء إيران. ومن ينظر إلى تكييف عدد من الدول العربية المحورية للعدوان الإسرائيلى على لبنان 2006 وعلى غزة 2008/2009 سوف يجد أن هذا التكييف يحمل إيران وحلفاءها المسئولية الأولى عما آلت إليه أوضاع المنطقة. وفى هذا الإطار ليس غريبا أن نقرأ عن جهود عربية ــ إسرائيلية مشتركة لإثناء الإدارة الأمريكية عن مبادرتها السلمية للحوار مع إيران. ليس من الضرورى أن تكون هذه الجهود مشتركة بمعنى التنسيق، وإنما يكفى أن تكون كذلك بمعنى وحدة الاتجاه. ولو صح هذا فإننا سوف نكون بصدد التغير النوعى الثالث فى خريطة الصراعات والتحالفات فى المنطقة.

لن يكون هذا التغير إن اكتملت أركانه من الأخبار الطيبة بالنسبة للعرب على أى حال. فحتى عندما نسلم بأن إيران تمثل خطرا على الأمن العربى، يجب أن يكون واضحا أن هذا الخطر محتمل ينبغى التحسب له وليس كما هى الحال بالنسبة لإسرائيل خطرا فعليا تتعين مواجهته. كما أنه فيما توجد قواسم مشتركة بين العرب وإيران أيا كان ما آلت إليه العلاقات بين الطرفين فإن هذه القواسم غائبة تماما فى الحالة الإسرائيلية، ولذلك فإن بديهيات الصراع والتحالف فى المنطقة تشير إلى أن التغير الذى يبدو آخذا فى التبلور فى هذا الصدد ليس تغيرا حميدا، وإنما هو تغير خبيث لابد من إيقافه ببناء القوة الذاتية العربية الكفيلة بأن يكون العرب أندادا لإيران وليسوا هدفا لخطر يأتى منها، وبأن يتوصل الطرفان إلى تفاهم مبنى على قواسمهما المشتركة يستطيعان استنادا إليه التصدى للمخاطر الحقيقية على أمن المنطقة وعلى رأسها خطر السياسات الاستعمارية التوسعية الإسرائيلية.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية