أزمة قضاة.. أم محنة للعدالة؟ - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة قضاة.. أم محنة للعدالة؟

نشر فى : الثلاثاء 30 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 30 أبريل 2013 - 8:00 ص

المعركة الدائرة حاليا حول السلطة القضائية لا تتعلق بمجرد الخلاف حول تنظيم عمل القضاة وانتداباتهم وسن تقاعدهم بل تعبر عن ازمة اعمق من ذلك بكثير وتمس قلب النظام القانونى وطبيعة دولة القانون التى يزعم الجميع ولاءهم واخلاصهم لها. ولان القضية بهذه الاهمية والعمق فان الخلاف حولها ليس وليد الاسابيع القليلة الماضية حينما تقدمت الحكومة بمشروع لتنظيم السلطة القضائية، بل له جذور ومقدمات اخذت تتراكم وتتفاقم حتى اوصلتنا إلى الازمة الراهنة. هذه المقدمات فى تقديرى يمكن اجمالها فيما يلى:

 

أولا: حالة الاستهتار العامة التى أصابت المجتمع بشأن فكرة العدالة حينما وجد كل فريق مشتبك فى الصراع السياسى ان من مصلحته ــ فى لحظة معينة ــ ان يغض الطرف عنها ريثما تتحقق مصالحه السياسية، وكأن آليات القانون والعدل يمكن تجميدها أو وقفها لفترة معلومة ثم اعادة تدويرها بمجرد الضغط على زر التشغيل فى وقت لاحق. وقد تنوعت مظاهر هذا الاستهتار طوال العامين الماضيين ومن كل الاطراف السياسية على نحو كشف عن مدى «هشاشة» مفهوم العدالة فى المجتمع المصرى وعن عدم اكتمال دولة القانون المعاصرة التى تم البدء فى تأسيسها منذ اكثر من مائتى عام.

 

ثانيا: ان الجرائم الكبرى التى ارتكبت خلال العامين الماضيين، خاصة فى الأسابيع الاولى للثورة، لا تزال حتى الان غير معروفة المعالم ولم يتم تقديم المسئولين عنها للعدالة أو قدموا بتحقيقات وأدلة واهية وبعد اختفاء المستندات أو فرمها. والنتيجة هى استمرار الشعور بان العدالة لم تتحقق فى حق من قدموا التضحيات الحقيقية وان القصاص لا يزال منقوصا. ولذلك فان أى حديث عن المصالحة أو فتح صفحة جديدة لن يكون مجديا طالما لم تتم المحاسبة عما فات لان الحقيقة وتحديد المسئولية هى الركن الأهم فى القصاص العادل. وهنا تأتى اهمية ما يعرف ببرامج العدالة الانتقالية التى نجح الكثير من الثورات الناجحة فى تطبيقها، والتى تهدف للكشف عن حقيقة ما حدث وتحديد المسئولية ومحاكمة مرتكبى الجرائم بشكل ناجز ولكن عادل فى الوقت نفسه. ولكن طالما بقيت الجرائم الكبرى بغير حساب ولا مكاشفة وطالما ظلت الحقيقة غائبة فلن تطوى هذه الصفحة أبدا.

 

ثالثا: عدم وضوح العلاقة بين الثورة والقانون وعدم إدراك التناقض بينهما. فالثورة تعبير عن انهيار النظام القائم بما فى ذلك مرجعيته القانونية، وعن رغبة المجتمع فى اعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التى يعبر عنها هذا النظام القانونى القديم. ولكن اعادة بناء الاساس القانونى لهذا المجتمع الجديد لا يمكن ان تتم بعشوائية على نحو ما يجرى الان ودون مشاركة من المجتمع والا جاءت نتائجها متناقضة بسبب المراوحة بين التمسك بالنظام القانونى القديم دون تغيير وبين القفز إلى المطالبة بالعدالة الثورية دون ضوابط، لانه فى الحالتين فان الغرض المستتر هو تحقيق نتائج سياسية بعينها وليس التمسك بفكرة العدالة ذاتها.

 

رابعا: هذا التناقض بين مفهومى الثورة والقانون كانت نتيجته الحتمية هى الانتقائية التى اصابت الخطاب السياسى فى مصر والتى تتعارض جذريا مع فكرة العدالة معصوبة العينين. الحزب الحاكم مثلا احتفل بالقضاء المصرى وبنزاهته واستقلاله حينما قضى بشرعية انتخاب الرئيس ثم اعتبر انه متواطئ وفاسد وجزء من الثورة المضادة حينما صدرت عنه أحكام بحل مجلس الشعب وببطلان قرار الدعوة لانتخابات جديدة وببراءة بعض المسئولين السابقين. ورئيس الجمهورية الذى اقسم على احترام الدستور لم يتورع عن اصدار اعلان دستورى يغل يد المحكمة الدستورية عن الرقابة على قراراته. حتى بعض المفكرين والمعلقين المحسوبين على المعارضة لم يخل خطابهم من ذات الانتقائية حينما طالبوا لمدة عام ونصف العام بعزل النائب العام السابق ثم تبنوا مرة واحدة الدفاع عن بقائه، واعترضوا على الزج بالأزهر الشريف فى مسائل التشريع ثم ما لبثوا ان تمسكوا بأخذ رأيه فى كل القوانين الصادرة من مجلس الشورى. وهكذا انتقل مرض الانتقائية بين كل الأطراف بسهولة ويسر لان مرجعية القانون اهتزت وصارت رقما فى المعركة السياسية.

 

خامسا: اما الفصل الحالى من الصراع على السلطة القضائية فهو يعبر عن اقتناع النظام الحاكم بان السيطرة على الدولة لن تنجح الا بإزالة عقبة القضاء لان الرقابة القضائية قادرة على تغيير كل المعطيات كما حدث من قبل حينما تم حل البرلمان وإلغاء قرار الدعوة للانتخابات وإعلان بطلان العديد من قرارات الحكومة والوزراء، وبالتالى فان الأولوية يجب ان تكون لإخراج القضاء من المعادلة ونزع شوكته بشكل حاسم. والوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هى الايحاء للرأى العام بان القضاء طرف فى الصراع السياسى وانه يتجاوز حدود صلاحيته حينما يقضى فى مسائل ذات طبيعة سياسية، كما لو كان اختصاص القضاء فقط هو الحكم فى المنازعات العقارية وقضايا الاحوال الشخصية وان رقابته على قرارات الحكومة والرئيس والبرلمان امر شاذ، بينما الحقيقة ان المهمة الوحيدة للقضاء الدستورى والادارى هى مراقبة السلطتين التشريعية والتنفيذية والتصدى لاى خروج منهما على المشروعية وحكم القانون. وهذا فى تقديرى هو جوهر المعركة الدائرة حاليا حول القضاء وما يفسر حدتها، لان الامر لا يتعلق لا بسن تقاعد القضاة ولا بترقياتهم وانتداباتهم، بل بضرورة إخراجهم من المعادلة والحد من قدرتهم على الرقابة على سلطات الحاكم. ولو لم يكن الامر بهذه الخطورة لما كان اقرب مستشارى الرئيس وشركائه فى تجاهل الدستور والقانون والشرعية طوال العام الماضى قد انفضوا عنه فى هذه اللحظة الحاسمة إدراكا منهم ربما ان ما يمكن ان يتورطوا فيه هذه المرة اكبر بكثير من تجاوزات الاشهر الماضية.

 

مع ذلك فان المؤسسة القضائية فيها مشاكل كبيرة ولديها تجاوزات وبحاجة بلا شك لتحديث وتطوير وإصلاح. هذا امر ليس محل خلاف ولا حتى داخل القضاء نفسه. فما الحل؟ هل يسكت المجتمع على حالة القضاء الراهنة وعلى حقيقة ان العدالة فى مصر ولسنوات طويلة صارت منقوصة وبطيئة وغير ناجزة؟ هل يتم تجاهل القضايا المفتوحة منذ عامين بشأن قتل واصابة الآلاف دون الوصول إلى الحقيقة؟ وهل يتم الابقاء على النظام القانونى القديم باكمله تحت شعار الدفاع عن دولة القانون؟ ام الإطاحة بكل ضوابط وضمانات التقاضى تحت شعار العدالة الثورية؟ بالقطع لا. ولكن أى مدخل للتعامل مع مشاكل القضاء فى مصر يجب ان يستند إلى أسس قانونية، وان يشارك فيه القضاة انفسهم، والاهم من ذلك ان يكون مبنيا على مبدا الحفاظ على قيمة العدالة لا هدمها.

 

الموضوع خطير والتعامل معه يجب ان يكون بحكمة وبمسئولية وبرغبة حقيقية فى الاصلاح وفى تحقيق العدالة لا مجرد كسب جولة جديدة فى المعركة السياسية.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.