التعلق بالصورة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعلق بالصورة

نشر فى : الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 - 10:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 - 10:15 م
لا أعتقد أن هناك فترة فى تاريخ البشرية تعلق فيها الناس بالصورة مثلما يحدث الآن. السبب ــ فى رأيى ــ يعود إلى ظهور السوشيال ميديا التى يحرص مرتادوها على نشر صورهم ضمن الحديث عن أخبارهم، ليس فقط الأخبار المهمة، ولكن أيضًا تفاصيل الحياة اليومية التى يُفترض، أو ما كان يُفترض فى السابق أنها تخص أصحابها وحدهم. ينشر الناس صورًا خاصة، وأخرى عامة. بالطبع يثور الحديث من آن لآخر دفاعًا عن الخصوصية، حيث يُطلع البعض الآخرين على مناسبات أو لحظات تخصهم، ثم بعد ذلك يشكون من انتهاك خصوصيتهم، ولاسيما فى ظل موجة تجتاح المجتمعات تفتش وتتلصص على الناس. كان الأمر فى البداية يخص المشاهير، ونتذكر أن الأميرة ديانا كان يتعقبها المصورون إلى آخر لحظات حياتها، ولكن امتد الأمر الآن إلى الناس العادية، حيث انتشرت التسريبات التى تهتك الحياة الخاصة للناس.
ومن محاسن التعلق بالصور توثيق الأماكن، خاصة بالنسبة للناس التى تحب التقاط الصور فى كل مكان تذهب إليه، وأيضًا بدأ كثير منهم، خاصة الشباب، يهتمون بالهيئة، والشكل، والوضع المناسب لهم فى الصور التى يلتقطونها. دفع ذلك بعضهم إلى الاهتمام بالحفاظ على الوزن، والعمل على التخلص من الوزن الزائد، وبعض الصور تُلتقط أثناء ممارسة الرياضة فى الجيم والأندية. ومن الحرص أيضا الشياكة فى الملابس، والتناغم مع الحياة بأبيات الشعر التى توضع بجوار الصور فى التغريدات والتدوينات، أو التعليقات المأخوذة من كتابات الأدباء والساسة، وغيرها.
والصورة بالنسبة للبعض تلبى احتياجًا نفسيًا، قد يراها البعض إعلانًا بأنه لا يزال مطلوبًا، متفاعلا، أنيقًا، وربما يرسل المرء من خلال نشر صورته على السوشيال ميديا رسالة إلى غيره، يظل مضمونها عالقًا فى الفضاء الإلكترونى بينهما فقط.
وهناك ساسة وشخصيات عامة يهتمون بالصورة اهتمامًا فائقًا، إلى حد أنهم يعدون المشهد جيدًا قبل التقاطها.
وفى الصورة إحراج خاصة مع تقلبات السياسة، بعد 25 يناير 2011 انتشرت صور الساسة من كل التيارات، ولكن بعد 30 يونيو 2013، صارت بعض الصور تحمل دلالات سياسية غير مرغوب فيها خاصة إذا كانت تجمع بعض هؤلاء الساسة بقيادات من الإخوان المسلمين. رغم أن السياق السياسى كان مختلفا وقت التقاط تلك الصور، ولكن استدعاءها فى مناخ سياسى مغاير يحمل دلالات أخرى.
ومن ناحية أخرى امتدت الصورة على السوشيال ميديا إلى توثيق الحروب والنزاعات، فالبعض يشير إلى أن الصورة لعبت دورًا فى توثيق احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، والحرب فى أوكرانيا، وعرف العالم من صور الجنود الروس على متن السفن أنهم فى طريقهم إلى سوريا.
إشكالية الصورة التى تغزو حياتنا أنها جاءت مواكبة لتراجع مثير فى المضمون، الصورة ــ بحكم التعريف ــ تركز على الشكل، وكل من يلتقط صورة يود أن يكون فى أعلى درجات الإبهار، أما المضمون فهو يركز على الإنجاز، الأثر، التغيير، التحولات الإيجابية، وقد يكون غائبا عن زاوية التقاط الصورة.
هنا نقع أمام إشكالية العصر: المظهر أم الجوهر؟ الشكل أم المضمون؟ الإبهار أم العمق؟
بالتأكيد المجتمع المعاصر يمتلك آليات التصوير المبهرة، التى تجعل الصورة تحمل رسائل معبرة تستولى على عقل وافئدة الناس، ولكن لم يواكب التقدم فى تقنيات الصورة، تقدم مماثل فى الإنجاز، والتغيير إلى الأفضل.
ســامــح فــوزى
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات