«مواطن انتماؤه للعالم» - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«مواطن انتماؤه للعالم»

نشر فى : الأحد 16 أغسطس 2020 - 10:50 م | آخر تحديث : الأحد 16 أغسطس 2020 - 10:50 م

كل طفل فى محيطنا هو فرصة لأن نهدى العالم مواطن ينتمى إلى الإنسانية. أطفال (ثم بالغون) لديهم من المحبة والرحمة ما يسمح لهم بقبول من يختلف عنهم مع قدرة على التواصل بغض النظر عن موطنه الأصلى وبدون المساس بإحساسهم بالفخر بثقافة بلدهم ولغتها وتاريخها وطبيعتها التى تميزها.
لو أن سكان العالم أحسوا مثل سقراط «أنا مواطن انتماؤه للعالم» لكان مصير البشرية اختلف.
(I am a citizen, not of Athens, or Greece, but of the world — Socrates).
مصطلح «مواطن العالم» أوGlobal citizen أصبح متداولا عندما أصبح واضحا أن حياة أحفادنا على كوكب الأرض مهددة. وأن الحفاظ على البيئة ومصادر طاقة آمنة ومستدامة أمر ملح، وأن الدفاع عن الحقوق الشخصية التى تضمن ثراء وتنوع فى الثقافة والدين واللغة والفنون لتضيف إلى الحضارة الإنسانية كما الحقوق العامة من صحة وتعليم وسكن وأمن كلها أصبحت ضرورة، فالتاريخ أثبت أن السلم الاجتماعى والصحة العامة والتنمية الاقتصادية فى العالم كلها مرتبطة، وأن الحدود لا تحمى بلادنا والأسوار لا تحمى مجتمعاتنا من أن نفقد أى مميزات تنموية اكتسبناها، وبات واضحا أن تربية جيل ينتمى إلى «العالم» و«البشرية» استثمار هام.
***
مفهوم الانتماء والإحساس بالملكية «لكوكب الأرض» بطبيعته المتنوعة؛ محيطاته وبحاره، غاباته وصحرائه، أسماكه وطيوره وحيواناته هو ما يضمن حمايته من تلوث الهواء والسمع والبصر. لو أحس البشر بالمسئولية نحو «الإنسانية عامةً» بعيدا عن مفهوم «القومية» الذى ظهر مع تقسيم البلاد والحروب على حدودها، لكانوا كفوا عن الخلاف والتنافس على خيرات العالم الذى نتج عنه دماء سائلة وقلوب كارهة وكانوا فهموا الحكمة من خلقنا «شعوبا وقبائل».
فكيف إذن تربى «مواطن العالم»؟
أن نغرس فى أبنائنا قيم «التعاطف» وقبول الآخر، «حب الاستطلاع» ومعرفة المزيد عن الثقافات المختلفة سواء من محيط مجتمعنا أو خارج بلادنا.
أن نعلم أبناءنا لغات أجنبية بالإضافة إلى اللغة الأم يزيد من فرصهم فى التواصل الجيد مع ثقافات أخرى. الطفل لديه قدرة على تعلم أكثر من لغة فى آنٍ واحد بشرط أن يلتزم كل شخص بالحديث بلغة واحدة يجيدها تماما. وقد تبين أن مع كل لغة إضافية نتعلمها فى طفولتنا يزيد الذكاء الأكاديمى لدينا ومعه الذكاء الاجتماعى.
نربى أبناءنا على الحفاظ على البيئة، يطفئون الأنوار غير المستخدمة، يعون أهمية استخدام اللمبات الموفرة، يمارسون الفصل من المنبع فى مطابخ البيت فتكون هناك سلتان للقمامة إحداها لفصل بقايا الطعام والأخرى لكل ما لا يتحلل، يعيدون استخدام البرطمانات والزجاجات والعلب وفوارغ ورق التواليت.. إلخ، فى أنشطة يدوية فنية تشدهم من عالمنا الاستهلاكى (هذا نشاط لطيف للإجازات). نشجعهم على المشى أو ركوب العجل فى الأماكن الآمنة بدلا من ركوب السيارة. نزيل من أذهانهم أهمية أن تكون ملابسهم ولعبهم وكتبهم مشتراة، ونعود إلى انتقال كل هذه الأشياء طالما كانت بحالة جيدة من طفل إلى الأصغر بدون حساسية وبشكل فيه بهجة ورضا، (علينا أن ندرك أن كل ما يتم رميه قبل استهلاكه فهى موارد مفقودة من الكوكب). نعلمهم ألا يتركوا الماء يجرى أثناء غسل أسنانهم ونشرح عواقب نقص المياه على أى بلد، نعلمهم ألا يلوثوا آذان الآخرين فيضعون راحة من حولهم فى الاعتبار وهم يلعبون مع أصدقائهم ويستمعون إلى الموسيقى.
***
الرحلات (سواء داخل بلادنا أو إلى الخارج) أداة لتثقيف الطفل والبالغ، لها قيمة عالية وتستحق الاستثمار فيها مثلها مثل التعليم والرياضة، وهى بالتأكيد أكثر تأثيرا على مستقبلهم من شراء ملابس من ماركات معروفة أو تليفون محمول غالٍ. زيارة مدينة أخرى داخل مصر أو بلد أجنبية إذا كان هذا متاحا لنا، يعنى أنهم يتعرفون على ثقافة ولغة وتاريخ وطبيعة ستساهم فى تشكيل شخصيتهم ومهاراتهم الاجتماعية ومعلوماتهم وتبنى جسور من التواصل بينهم وبين أقرانهم فى بلدان العالم.
لكى نستكشف مكانا جديدا علينا أولا تغيير مفهومنا عن السفر، فبدلا من قضاء ساعات ثمينة من الرحلة فى مولات ومحلات شبيهة بالتى فى بلدنا، ننفق هذا الوقت والمال فى زيارة معالم طبيعية وتاريخية ومتاحف ومعارض فنون وأسواق وخصوصا المناطق التى يزورها أصحاب البلد، وليست مبنية بغرض السياحة، فبعد أعوام من الرحلة لن يبقى مما اشتريناه شيئا لكن ذكرياتنا ستبقى. نتعرف على مطبخهم (سواء زرنا البلد فعليا، أو أكلنا فى مطعم يقدم أكلها، أو قررنا نقضى أمسية أسرية نتعلم فيها طبخ وجبة من بلد غريبة عنا). أن نشجع أبناءنا على تجربة أكل مختلف والتعرف عليه حتى إذا كان بعيدا عن مذاقهم بشكل فيه حب استطلاع واحترام للاختلاف يرسخ لفكرة قبول التنوع.
قد يصعب علينا السفر، لكن هذا لا يجب أن يمنعنا من التعرف على الثقافات المختلفة من بيتنا، فالسينما تنقل لنا ولأبنائنا طبيعة البلد، نرى فى أبطالها اختلاف الحياة فى مجتمعهم كما تُرينا أوجه التشابه الإنسانى بيننا وبينهم. يتطلب إقناع الطفل بمشاهدة أفلام أجنبية خارج إطار سينما هوليوود جهدا، لكن إذا اخترنا أفلاما أبطالها أطفال أو مراهقون تكون أكثر جاذبية لهم.
الكتب نافذة على ثقافات مختلفة دون سفر، والاستثمار فى كتب أطفال مترجمة من ثقافات أجنبية ومغامرات تدور فى بلدان غريبة وروايات كلاسيكية مترجمة من الأدب العالمى فى مكتبة البيت استثمار فى بناء «مواطن العالم». كذلك الموسيقى مدخل للاطلاع على مذاق الشعوب وطباعهم التى تنعكس فيها، خصوصا أن معظم الأطفال فى سن المراهقة يسمعون الكثير من الموسيقى فقط مطلوب أن نقترحها عليهم أو نشاركهم فى الاستماع إليها.
***
حب الاستكشاف يبدأ بالتعرف على التنوع فى محيطنا المباشر، بزيارات لمتاحف التاريخ والفن فى أيام الإجازة، اختيار فيلم جيد تراه الأسرة بالسينما من آنٍ لآخر، زيارة المدن القريبة (ربط الرحلات بما يدرسه أبناؤنا فى كتاب التاريخ والجغرافيا فى كل مرحلة تعليمية) والتعرف على أهم المزارات الأثرية والدينية والتعرف عليها.
مصر بلد بنيت على طبقات وطبقات من التاريخ المتنوع كلٍ لها خاصيتها وطبعها وكثير منها نتاج حضارات وثقافات أجنبية صهرها المصريون فأعطتنا هويتنا المصرية الفريدة فى مثال رائع لأهمية قبول التنوع.
«جودة» حياتنا على هذا الكوكب مرتبطة بقدرتنا على الحفاظ على توازن دقيق بين حقوق كل ما هو حى من بشر وحيوانات وطيور وأسماك وغابات فالعدل (بين كل الكائنات) هو قانون الطبيعة وأساس السلام، وبدون محبة وقبول لا يتحققون. ومفتاح هذا كله تنشئة «الإنسان».
«إن استطعنا أن نحب بلا توقعات أو حسابات، بلا مواءمات، أن نحب وحسب، فإن هذه هى الجنة الحقيقية». جلال الدين الرومى

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات