ملط أو غير ملط - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملط أو غير ملط

نشر فى : الإثنين 28 فبراير 2011 - 9:03 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 فبراير 2011 - 9:03 ص

 عندما كانوا يقفون فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى تملؤهم الثقة، رافعين شعاراتهم بمنتهى الرقى اقتربت منهم، وسألتهم، ألا تخشون معارضة جودت الملط رئيس جهاز المحاسبات صاحب «الضربة الرقابية الأولى» كما أطلقوا عليه فى أحد شعاراتهم؟ فقال لى أكبر أعضاء رابطة (مراقبون ضد الفساد) سنا، لأنهم حتى فى تظاهرتهم يحترمون الأقدمية، «اللى ماخفش من حسنى مبارك، أكيد مش حيخاف من الملط». فتصببت عرقا، فكيف لم أعرف وحدى أنه لم يعد هناك فى هذا البلد من يخيف الناس. ملط أو غير ملط.

الحقيقة أننى فى البداية استصعبت مهمتهم فى مواجهة هذا الرجل، الذى يعتبره كثيرون من الناس المحارب الأول ضد الفساد. ولكن عندما عدت بالذاكرة لوقت ليس ببعيد، وتذكرت كيف كان أحمد عز، رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب فى الزمن الغابر، يتعمد الانشغال بالتهام قطع الشيكولاتة داخل الجلسة التى كان الملط يتحدث فيها حول المخالفات فى الحساب الختامى للدولة، وكيف كان يوسف بطرس غالى وزير المالية فى الحكومة كريهة الذكر، يتسلى باللعب فى موبايله ليظهر للرأى العام بأنه لا يعير الأمر أدنى اهتمام، ولا حتى يكلف نفسه عناء الاستماع إلى الملط، الذى كان يوجه الانتقادات إلى أدق مهام وزارة المالية. عندها أدركت أن مهمة هؤلاء الطامحين، خالصى النية، فى أن يتحول جهاز المحاسبات إلى جهاز يخيف الفاسدين، وليس خيال مآتة لزوم تهويش العصافير فقط دون الإمساك بالحيتان، ليست ببعيدة المنال.

لم يكن هؤلاء الرقابيون يحتاجون لكثير من الجهد ليقنعوا من التف حولهم فى التحرير من أن رئيس الجهاز جودت الملط كان يخشى مثل غيره تماما من نفوذ الكبار فى العهد البائد. لذلك أخفى تقارير كانت تدين كبار المسئولين فى وزارة الداخلية، بدءا من الوزير وحتى مساعديه، والذين كانوا يتصرفون فى أموال الصناديق الخاصة البالغة 2 مليار جنيه سنويا دون أن يستطيع أحد مراقبتهم. كما كان عليه أن يخفى تقريرا آخر يثبت احتكار أحمد عز للحديد، دون أن يكتفى بذلك، بل أخرج تقريرا آخر مغايرا، وقدمه لمجلس الشعب، مظهرا أن عز بطل قومى وليس محتكرا.

ولم يعدم هؤلاء الدليل، فكانت قصاصة من جريدة نشرت فيها اعترافات لوكيل جهاز المحاسبات السابق، د. عبدالحميد الذهبى، الذى كان مكلفا من الملط بناء على طلب من مجلس الشعب، بإعداد دراسة عن احتكار عز للحديد، كانت هذه القصاصة مجرد واحدة من دلائلهم، ولديهم دلائل أخرى كثيرة. كانت أقوال هذا المسئول الذى خرج على المعاش، وخاف مثل غيره لسنوات ان يُخرج التقرير الحقيقى عن احتكار عز، كانت لهم سندا. وها هو يقول فى اعترافاته، بعد أن جمدت الثورة قلبه، إنه بعد الانتهاء من الدراسة، والتى كانت توصى باستبعاد أحمد عز من رئاسة شركة الدخيلة، باعتبار أن هذا يؤدى إلى التخلص من الممارسات الاحتكارية والاستغلالية التى يقوم بها، بعد أن تعامل عز مع شركة الدخيلة على اعتبار أنها إحدى شركاته، رغم أنه مجرد مساهم فيها بـ32% من أسهمها فقط، وأنه استطاع أن يوحد نشاطى التسويق والمبيعات بين شركته (العز لحديد التسليح) و(الدخيلة) مما زاد من حصته فى السوق إلى 69%. وبالرغم من أن الدراسة خلصت إلى ضرورة إدارة الدولة للشركة ذات التكلفة المنخفضة جدا، كأداة لاستقرار أسعار الحديد فى السوق المحلية، والتى سلمها د. الذهبى بالفعل للملط. إلا أن د. الذهبى فوجئ بأن أحد المسئولين بالجهاز يعطيه تعديلا فى نتائج دراسة شركة الدخيلة، تجعل من أحمد عز بطلا قوميا، وطلب منه التوقيع عليه. فما كان منه إلا رفض التوقيع على الدراسة المعدلة، وأبلغ الملط بالأمر، فقال له: «لك هذا».

إلا أنه بعدها تم نقل د. الذهبى إلى عمل إدارى وليس رقابيا، أفسح المجال واسعا للمستشار الملط ليقدم نتائج الدراسة المعدلة إلى مجلس الشعب، كما يحلو له، فيخرج عز من تهمة الاحتكار مثل الشعرة من العجين. ونصح مسئول بالجهاز الدكتور الذهبى أن يصمت لأن الموضوع حيكبر، خاصة أنه كان يسمع داخل مجلس الشعب أحاديث مطولة عن أن عز مخيف ومرعب، وأن التقرير سيحفظ مهما كانت نتائجه. وقد استمع د. الذهبى للنصيحة حتى خرج على المعاش، ولكن بعد ثورة يناير تقدم لنيابة الأموال العامة بالتقرير الحقيقى.

حكاية عز، ووزارة الداخلية، هى قطرة مما يحكيه هؤلاء الرقابيون الذين يبدو أنهم اتعجنوا بناس التحرير، فتغيرت ملامحهم المتجهمة، وخرجوا عن الصمت والسرية، التى كانت تغلف أحاديثهم قبل تقاريرهم. فلم تكن لتستطيع أن تتكلم ولو مصادفة مع أحدهم حتى إذا قابلته فى مناسبة عائلية. الآن يخرج هؤلاء على الناس ليتحدثوا عن الفساد داخل الجهاز قبل خارجه، بل وينشرون على الفيس بوك مطالبهم، وبياناتهم، وفيديوهات لاحتجاجاتهم السلمية أمام الجهاز. بل وأصبحوا يحترفون تأليف الشعارات وآخر إبداعاتهم «افرحوا يا مصراوية.. رئيس الجهاز بلغ الرقابة الإدارية. وحيفتح الملفات المغلقة علشان الحساسية السياسية. واتكلم فى الراديو والتليفزيون والجمهورية. بس ماقلش الفلوس فين هيه. ولا قال مين هما الحرامية. يبقى كده ميه ميه».

ويبدو أن العصر الذى كنا نحياه قد صبغ الجميع بصبغة واحدة، لا يختلف فيها حسنى مبارك ومعمر القذافى عن أصغر غفير نظامى فى القاهرة أو طرابلس. ولذلك ليس غريبا أن نسمع الملط، وهو يتحدث إلى وسائل الإعلام واصفا هؤلاء الرقابيين بأنهم «قلة مندسة» تريد إعاقة مسيرته. وما دمنا قد وصلنا إلى مرحلة الحديث عن «القلة المندسة» فأنا أدعو أعضاء رابطة (مراقبون ضد الفساد) أن يجهزوا من الآن صواريخهم النارية للاحتفال بنصرهم فى التحرير، أو فى صلاح سالم. لا يهم المكان، المهم أنهم منتصرون لا محالة.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات