الثورة والشعر - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 10:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة والشعر

نشر فى : الإثنين 2 مايو 2011 - 8:24 ص | آخر تحديث : الإثنين 2 مايو 2011 - 8:24 ص

 طالعتنا جريدة أخبار الأدب فى عددها الصادر أمس الأحد 1مايو 2011 بمانشيت رئيسى على غلافها غير منسوب لقائله وهو: «لن تؤسلموا الثورة..لن تؤمموا الميدان».

ولما كانت أخبار الأدب تنشر المقال والقصة والمسرحية والشعر والحديث الصحفى، فقد حرت كثيرا فى أمر تصنيف هذا العنوان وربطه بجنس أدبى معين، مما دفعنى فورا للبحث عنه داخل صفحات الجريدة. وقد وجدت ضالتى فى صفحة 26، حيث وجدت نصا تصاحبه لوحة، منشورا على صفحة كاملة يعلوها اسم وصورة صديقى الشاعر الكبير حسن طلب، فشرعت فى قراءته متلهفا.

كان عنوان النص مقسوما على سطرين ببنط أكبر كثيرا من ذلك البنط الذى كتب به على غلاف الجريدة: «لن تؤسلموا الثورة / لن تؤمموا الميدان»، فقرأته مرة ثانية قبل أن أنتقل لقراءة النص نفسه الذى قسمه كاتبه إلى ثلاث حركات صدرها بأرقام (1) و(2) و(3)، لكنه قبل الحركة رقم (1) كتب سطرا من النص يقول فيه: «لن تؤسلموا الثورة..لن تؤمموا الميدان!».

وقد حرت فى تفسير أمر هذا السطر بعد أن قرأته للتو للمرة الثالثة، هل هو حركة جديدة ــ من النص وليست من الشاعر ــ تضاف للحركات الثلاث الأخر؟ أم هو نفسه عنوان القصيدة وقد أخطأ عامل المطبعة فجمعه مرة ثانية؟ لكن علامة التعجب التى جدت على نهاية السطر هذه المرة، وتعاليم النقد الحديث التى تدعو لتفسير كل شاردة وواردة أبدعها المؤلف دون تدخل، دفعانى لمواصلة قراءة الحركة الأولى محاولا الفهم، وقد جاءت على النحو التالى: «ضيف غريب حل فى الميدان../ واحتل به منصة قصيَّهْ/ قلنا: خطيب أنت يا هذا؟/ إمام.. واعظ؟ أم كاهن؟/ عليك بالمنبر فى الجامع../بالمذبح فى الكنيسة../ الثورة ليست عطلة للناس يوميه!/ قال لنا: صلوا على خير البريه/ قلنا له: الثورة ليست خطبةً/ عصماء منبريه/ فكلما أراد ألقاها علينا/ كل من هبَّ ودبَّ../ من دعاة العنتريات../ ومشتقاتها/ من عبشمية وعبدريه!».

وعند انتهائى من قراءة الحركة انتقلت علامة التعجب من نهاية السطر الأول إلى صفحة وجهى، فهناك كلام مقسم على سطور صغيرة، وهناك وزن، وهناك قافية، ولكن لا يوجد على الرغم من كل هذا شعر على الإطلاق!

فليست هناك صورة أو استعارة أو مجاز أو اشتقاق أو استخدام خاص لإيقاع الألفاظ لا يعرفه كل من هب ودب، وليست هناك رؤية شعرية أو فنية يتم تناول الموضوع من خلالها سواء بالمنظور الحداثى أو الكلاسيكى للشعر.

فمن المنظور الحداثى هناك نظم وليس هناك شعرية، أى ليس هناك استخدام لطاقات اللغة وإمكاناتها العبقرية استخدام فردى مبدع يميز الأدب عما عاداه. ومن المنظور الكلاسيكى الشعر ما أشعرك، وليس هناك شعور متضمن فى هذا النص السياسى المباشر حتى يمكن انتقاله للمتلقى.

وليسمح لى صديقى حسن طلب أن أذكره بما قاله فى هجومه على قصيدة النثر بجريدة البديل، متهما إياها بأنها أسهمت فى هروب قراء الشعر إلى أنواع أدبية أخرى، حيث قال: «إن العبرة ليست بالاقتراب من القضايا العادية، ليست القضايا العادية هى ما تجعل الشعر يقترب أكثر من الناس، إنما قارئ الشعر يريد عملا فنيا، يريد لوحة فنية، يريد لغة مدهشة ومجازا غير مألوف». فهل تحقق هذا يا سيدى فى نصك الذى بين أيدينا؟ وهل تشك فى أن هذه المتطلبات الفنية تتحقق فى كثير من قصائد النثر بقدر أكبر من هذا بكثير؟ وهل تنكر أن هذا هو جوهر الشعرية وليس الوزن والقافية؟

وتستمر القصيدة على منوالها، حيث يقول ضمن الحركة الثانية: «قالوا: سنبقى بينكم/ قلنا: فيا سماسرة السماء../ لن نترككم تغتصبون الأرض../ أو تصادرون فوقها:/ كرامة الإنسانْ!/ قالوا سنبقى حولكم/ قلنا: فلن نسمح أن تموّهوا القرآن بالدستور/ أو تستبدلوا الأديان بالأوطان!».

أعترف بالطبع باتفاقى التام مع الغاية السياسية النبيلة التى يهدف إليها النص، لكن هذا لا يعنى مطلقا التهاون فى حق الإبداع. فكما رفض الشاعر «تمويه القرآن بالدستور» وأنا معه، فإننى أرفض أيضا «تمويه الشعر بالثورة» ولابد أن يكون معى.

ولعل حسن طلب لايزال يذكر ما قاله فى أعقاب حادثة مصادرة مجلة إبداع بسبب نشر قصيدة حلمى سالم «شرفة ليلى مراد»، حيث قال: «أنا لا أحكم على نيته فهو بلا شك يريد أن يصور الله عز وجل فى صورة الكائن الأسمى الذى هو مصدر الخير والنماء، ولكن المشكلة فى التعبير المبتذل والصورة الركيكية التى صدمت الناس، والتى تعد استهتارا باللغة والشعر»، وأنا معه فيما قال بالحوار الصحفى وليس بالنص الشعرى الذى وضع فيه نفسه موضع حلمى سالم فى نبل الغاية وتهافت التشكيل الجمالى.

وهنا أجدنى مضطرا لتوجيه الخطاب لصديق عزيز آخر هو الصحفى الكبير مصطفى عبدالله رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب، مذكرا إياه بما قاله حسن طلب أيضا فى الموقف السابق ذاته، حيث قال: «أعترف أننى أخطأت عندما جاملت صديق عمرى الشاعر حلمى سالم فى نشر هذه القصيدة الركيكية».

أيها الأصدقاء الأعزاء، فلنجامل بعضنا بعضا، ولكن ليس على حساب الشعر، ولا على حساب الثورة.

التعليقات