تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة

نشر فى : الخميس 27 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 27 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

هذا التعبير لفيلسوف إيطالى يدعى غرامشى Gramsci فى الثلاثينيات من القرن الماضى (1935)، وقد قام بشرحه فلسفيا وإنسانيا على المستوى الفردى والجماعى، ولقد التقطه المفكر الروسى برهان غليون والذى يقوم بالتدريس فى جامعة السوربون وأطلقه على ثورات الشباب فى العالم العربى على هامش مؤتمر مركز الدراسات فى فضائية الجزيرة فى الدوحة أوائل 2011، ولقد اقتحمنى هذا التعبير وأنا أرى وأتابع فى معاناة شديدة الانقسام الحادث فى مصر، ذلك الانقسام الحاد والذى يبدو أنه بين التيار الإسلامى المسيطر على الحكم والتيار الليبرالى المدنى والذى يعبر عن المعارضة، لكنى أرى أن هذا الانقسام هو انقسام حول من يحكم مصر؟! هل يترك الحكم للإسلاميين أم يجب أن يحكم الليبراليون؟ لكن الانقسام الحقيقى ــ فى رأيى ــ هو بين العقل المصرى وإرادته فالخطاب السياسى الحاكم والمعارضة تقريبا واحد يتحدث من واقع تشاؤم العقل بينما الشارع المصرى رغم كل الضغوط الواقعة عليه من ذلك العقل المتشائم سواء من الحكم أو المعارضة ما زال متفائلا وثائرا وقادرا على الفعل والحركة ودليلى على ذلك سأبينه من خلال تحليلى لخطاب العقل المتشائم والذى يشترك فيه كثيرون من قادة المعارضة مع نظام الحكم ثم أوضح خطاب الإرادة المتفائلة:

 

أولا: خطاب العقل المتشائم:

يتلخص هذا الخطاب فيما يلى:

 الدستور: تتحدث المعارضة على أن الدستور فيه تراجع عن جميع الدساتير السابقة التى حكمت مصر وقد تراجع مقارنة بالدساتير العالمية المحيطة، بينما يتحدث التيار الإسلامى أنه أعظم دستور مقارنة بالدساتير السابقة أو بالدساتير الموازية فى البلدان الأخرى وكل فريق يعتمد فى حديثه على بنود معينة ويحاول أن يقنع بها جماهير الشعب التى ثارت فى 25 يناير وما زالت ثائرة، ولو تخيلنا العكس أى أن تكون المعارضة فى الحكم لكان الحوار بنفس المصطلحات وهذا يوضح لنا أن العقل لا يرضيه شيئا وهو ينظر دائما إلى نصف الكوب الفارغ من وجهة نظره، وهذا ليس عيبا،  إنه حديث العقل المتشائم أبدا.

المرأة: يتحدث الطرفان عن إعلائهما لدور المرأة، وتتحدث المعارضة عن التراجع فى دور المرأة بالنسبة لمواثيق الأمم المتحدة أو المكتسبات التى حصلت عليها فى أحقاب سابقة فى مصر، ويتحدث التيار الإسلامى عن العكس أنه يعطى للمرأة حقوقا لم تحصل عليها من قبل، ولو تخيلنا أيضا تبادل المواقع لسمعنا نفس المصطلحات، فالتيار الإسلامى يرى عظمة المرأة وحريتها فى دورها فى المنزل أولا، والعمل ثانيا، وأن المرأة يمكن أن تتبوأ مراكز ضخمة فى الدولة الإسلامية فإحدى مساعدات الرئيس سيدة... إلخ، والإتهام من التيار الإسلامى لليبرالى فرنجة نساء مصر واتهام التيار الليبرالى للإسلامى إلغاء المرأة من الفضاء السياسى والعلمى والاجتماعى والعمل على تخلفها.

 

 العلاقة مع إسرائيل والغرب:

ما كان يقوله التيار الإسلامى وهو فى المعارضة ضد إسرائيل والغرب والقروض الأجنبية... إلخ،  يفعل الآن عكسه فهو يرضى إسرائيل والغرب بل ويقوم بدور وسيط السلام بين اسرائيل وحماس فى الوقت الذى فيه يطلب القروض ويحقق شروطها.. إلخ، فى حين أن التيار الليبرالى المعارض يتشدد ويتهم النظام الحاكم أنه يسير طبقا للأجندة الأمريكية الإسرائيلية وأنه يقوم بتخريب الاقتصاد المصرى من خلال القروض...إلخ، إنها نفس اللعبة، لعبة الحكم.

 

 العلاقة مع دول الخليج:

يتحدث الطرفان عن تراجع الهوية المصرية أى ثقافة الخصوبة (الساحل) أمام ثقافة الجفاف (النفط) وكل طرف يتهم الآخر بالتوجه لدول الخليج ومن الواضح أن قطر مع التيار الإسلامى بينما الإمارات وتمثلها دبى مع المعارضة والاثنان يتصارعان على موقف السعودية غير الواضح.

عزيزى القارئ: ما أريد قوله هو أن الجيل الذى يحكم (الاسلامى) وجيل المعارضة (الليبرالى) يحكمهم تفكير الأيديولوجيات والعقائد ويتصارع كل طرف ليفرض أيدلوجيته التى تبناها من عشرات السنين على الآخر، ويحاول أن يجذب الشباب وباقى الشعب المصرى إليه،  للأيديولوجية الإخوانية أو اليسارية أو القومية أو الرأسمالية، وهذا يدعونى إلى الانتقال بكم إلى تفاؤل الإرادة.

 

ثانيا: تفاؤل الإرادة:

 سقوط الأيديولوجيات جميعا: بداية من 25 يناير وحتى 18 فبراير كان المشهد مفاجئا ومثيرا وضاغطا، لقد خرج شباب الإخوان الذين تربوا على السمع والطاعة على أيديولوجية الإخوان ورفضوا دعوة كبارهم بعدم الخروج وتمردوا وثاروا، وخرج شباب الكنيسة الذين تربوا على أن «البركة تحل على رأس الطائع» متمردين على هذه النوعية من الطاعة ورفضوا هذه النوعية من البركة، وخرج الشباب اليسارى والذى تربى على أيديولوجية متكاملة الأركان تبشر الشعوب بالجنة الأرضية ولهم فلاسفتهم وروادهم ومثقفوهم وكتبهم ومسرحياتهم وأفلامهم... إلخ وتمردوا على كل ذلك، وخرج الشباب القومى على الحركة القومية العربية التى تراجعت، لقد كان المشهد خطيرا، يعلن سقوط الأيديولوجيات ويطلق الإرادة المصرية حرة أبية غير مقيدة بعقيدة أو أيديولوجية سواء كانت دينية أو سياسية، لقد خرجوا وكان أول نداء لهم «الشعب يريد إسقاط النظام»، «عيش ــ حرية ــ كرامة إنسانية». ونحن نعلم بالطبع أن معظم المحللين السياسيين العالميين أعلنوا سقوط الأيديولوجية بسقوط الشيوعية عام1989، لكن الفارق الزمنى بين بلادنا وبلادهم هو الذى أخر سقوط الإيديولوجية لدينا. لكننا نلاحظ أن حتى قادة هذه الأيديولوجيات فى بلادنا لا يشعرون.

 سقوط النظام: كيف أسقط هؤلاء الشباب النظام؟ يظن كثيرون أن النظام سقط يوم 18 فبراير 2011، هذا هو التاريخ الذى أعلن فيه عمر سليمان سقوط النظام، لكن هؤلاء الشباب أسقطوا النظام من فكرهم أولا ثم من حياتهم ثانية قبل ذلك بكثير عندما أرادوا أن يدرسوا سواء فى الخارج أو فى الداخل أو يثقفوا أنفسهم لم يعتمدوا على المنح الحكومية أو على الأحزاب التى ينتمون إليها بل أخذوا قروضا شخصية من البنوك لتغطية نفقات الدراسة وأخذوا منحا دراسية من الجامعات خارج البلاد، لم ينتظروا منحا أو مساعدات من أحد بل اعتمدوا على «الثقة بالذات» فى العمل والإنجاز، لقد تواصلوا عبر الإنترنت والفيس بوك تابعوا الأحداث وكان ما فعلوه هو التهمة التى وجهها نظام مبارك ثم الإخوان اليهم، لكنهم لم يكونوا يعلمون أن هؤلاء الشباب أسقطوا النظام من حياتهم وحققوا الكرامة الإنسانية لذواتهم، قبل أن يخرجوا فى 25 يناير يطالبون بها بحناجرهم.

   وهذا هو عكس طريقة تفكير الحكام والمعارضة نجوم السياسة فى بلادنا، فالحكام والمعارضة لديهم أيديولوجيات وعقائد يريدون تدريسها للناس ثم تطبيقها بعد وصولهم للحكم وليس قبل ذلك، أما هؤلاء الشباب فقد عاشوا الحرية الداخلية وأسقطوا النظام من داخلهم، ثم خرجوا ليسقطوه من بلدهم ولذلك كانت لهم المصداقية عند شعبهم فخرجوا معهم وأيدوهم وأسقطوا معهم النظام لذلك على الحكام والمعارضة أن يجلسوا ويحللوا خطاب الثورة جيدا ويجيبوا على سؤال لماذا إنحاز الشعب للشباب ضد النظام السابق؟ ولماذا انحازوا لهم أيضا ضد الحكام الحاليين؟ ولماذا سوف ينحاز الشعب ضد حكم الليبراليين فى حالة حكمهم بأيديولوجية معينة؟!

●●●

 ملاحظتان أنهى بهما مقالى.. الأولى أن الشعور البيضاء للنساء والرجال فى المظاهرات وانعكاس الشمس والأضواء على الرءوس الصلعاء فى طوابير الاستفتاء تعلن أن الشعب بكل فئاته مع هذه الثورة بلا تحفظ، أما الملاحظة الثانية فهى أن هذا الانحياز العظيم كان من مسلمين وليسوا إخوانا ومن مسيحيين وليسوا كنسيين، ومن يساريين وليسوا أيديولوجيين وقوميين غير مؤدلجين إنهم مصريون حتى النخاع يريدون عيش ــ حرية ــ كرامة إنسانية ــ عدالة اجتماعية، لايهتمون بالنظام ولا بالصراع عليه إنهم يموتون ويصابون كل يوم ليس دفاعا عن أيديولوجية معينة أو أشخاص بعينهم أو قيادات لهم كاريزما لكن عن مصر ومصر فقط إنه عصر جديد يا سادة بكل المقاييس فلماذا تقفون خارج الزمن؟!.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات